" صفحة رقم ٢٨٨ "
قال وهب : إنّ لجبرئيل ( عليه السلام ) بين يدي الله سبحانه مقاماً ليس لأحد من الملائكة في القربة والفضيلة، وإنّ جبرئيل هو الذي يتلقّى الكلام، فإذا ذكر الله عبداً بخير تلقّاه جبرئيل ثم لقّاه ميكائيل وحوله الملائكة المقرّبون حافّين من حول العرش، فإذا شاع ذلك في الملائكة المقرّبين صارت الصلاة على ذلك العبد من أهل السموات، فإذا صلّت عليه ملائكة السموات هبطت عليه بالصلاة إلى ملائكة الأرض، وكان إبليس لعنه الله لا يحجب عن شيء من السموات، وكان يقف فيهنّ حيث ما أراد، ومن هنالك وصل إلى آدم حين أخرجه من الجنّة، فلم يزل على ذلك يصعد في السموات حتى رفع الله سبحانه عيسى ابن مريم فحجب من أربع، وكان يصعد في ثلاث، فلمّا بعث الله تعالى محمداً ( عليه السلام ) حجب من الثلاث الباقية، فهو وجنوده محجوبون من جميع السموات إلى يوم القيامة ) إلاّ مَنِ اسْتَرَق السَّمْعَ فَاَتْبَعَهُ شِهابٌ مبين (.
قال : فسمع إبليس تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب وذلك حين ذكره الله سبحانه وأثنى عليه، فأدركه البغي والحسد وصعد سريعاً حتى وقف من السماء موقفاً كان يقفه فقال : يا إلهي نظرت في أمر عبدك أيوّب فوجدته أنعمت عليه فشكرك، وعافيته فحمدك، ثمّ لم تجرّبه بشدّة ولا بلاء وأنا لك زعيم، لئن ضربته بالبلاء ليكفرنّ بك ولينسينّك، فقال الله سبحانه وتعالى له : انطلق فقد سلّطتك على ماله، فانقض عدوّ الله حتى وقع إلى الأرض ثم جمع عفاريت الشياطين وعظماءهم وقال لهم : ماذا عندكم من القوّة والمعرفة ؟ فإنّي قد سُلّطتُ على مال أيوب، وهي المصيبة الفادحة والفتنة التي لا يصبر عليها الرجال.
قال عفريت من الشياطين : أُعطيتُ من القوّة ما إذا شئت تحوّلت إعصاراً من النار وأحرقت كلّ شيء آتي عليه، قال له إبليس : فاتِ الإبل ورِعاها فانطلق يؤم الإبل وذلك حين وضعت رؤوسها ويثبت في مراعيها، فلم يشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصار من نار ينفخ منها أرواح السّموم، لا يدنو منها أحد إلاّ احترق، فلم يزل يحرقها ورعاها حتى أتى على آخرها، فلمّا فرغ منها تمثّل إبليس على قعود منها يراعها ثم انطلق يؤم أيوّب حتّى وجده قائماً يصلّي فقال : يا أيّوب، قال : لبيّك، قال : هل تدري ما الذي صنع ربك الذي اخترته وعبدته بإبلك ورعائها ؟ قال أيوب : انّها ماله أعارنيه وهو أولى به إذا شاء نزعه، وقديماً وطّنت مالي ونفسي على الفناء.
قال إبليس : فإنّ ربّك أرسل عليها ناراً من السّماء فاحترقت ورعاؤها كلّها، فتركت الناس


الصفحة التالية
Icon