" صفحة رقم ٢٩٧ "
قال : وهابت صاحب الحلة أن تأتيه فتسأله عنه، فأرسل إليها أيّوب فدعاها فقال : ما تريدين يا أمة الله ؟ فبكت وقالت : أردت ذلك المبتلى الذي كان منبوذاً على الكناسة لا أدري أضاع أم ما فعل ؟.
فقال لها أيوب : ما كان منك ؟ فبكت وقالت : أردت بعلي فهل رأيته ؟ قال : وهل تعرفينه إذا رأيته ؟ قالت : وهل يخفى على أحد رآه ؟ ثم جعلت تنظر إليه وهي تهابه، ثم قالت : أما إنّه كان أشبه خلق الله بك إذ كان صحيحاً، قال : فإنّي أنا أيّوب الذي أمرتني أنّ أذبح لإبليس، وإنّي أطعتُ الله وعصيت الشيطان ودعوت الله سبحانه وتعالى فردَّ عليَّ ماترين.
وقال كعب : كان أيّوب في بلائه سبع سنين.
وقال وهب : لبث أيّوب في ذلك البلاء ثلاث سنين لم يزد يوماً واحداً، فلمّا غلب أيّوب إبليس ولم يستطع منه شيئاً اعترض امرأته في هيئة ليس كهيئة بني آدم في العظم والجسم والجمال، على مركب ليس من مراكب الناس، له عظم وبهاء وجمال، فقال لها : أنت صاحبة أيّوب هذا الرجل المبتلى ؟ قالت : نعم قال : هل تعرفينني ؟ قالت : لا، قال : فأنا إله الأرض، وأنا الذي صنعت، بصاحبك ما صنعت وذلك أنّه عبد إله السّماء وتركني فأغضبني، ولو سجد لي سجدة واحدة رددت عليه وعليك كل ما كان لكما من مال وولد فإنّه عندي، ثم أراها إيّاهم فيما ترى ببطن الوادي الذي لقيها فيه.
قال وهب : وقد سمعت أنّه إنّما قال : لو أنّ صاحبك أكل طعاماً ولم يسمّ عليه لعُوفي ممّا به من البلاء، والله أعلم، وأراد إبليس لعنه الله أن يأتيه من قِبلها.
ورأيت في بعض الكتب أنّ إبليس قال لرحمة : وإن شئت فاسجدي لي سجدة واحدة حتى أردّ عليك المال والأولاد وأُعافي زوجك، فرجعت إلى أيّوب فأخبرته بما قال لها وما أراها، قال : قد أتاكِ عدوّ الله ليفتنكِ عن دينكِ، ثمَّ أقسم إن عافاه اللّه ليضربنّها مائة جلدة.
وقال عند ذلك : مسّني الضر من طمع إبليس في سجود حرمتي له، ودعائه إياّها وإيّاي إلى الكفر، قالوا : ثمَّ الله سبحانه رحم رحمة امرأة أيّوب بصبرها معه على البلاء، وخفّف عنها، وأراد أن يبرئ يمين أيوب فأمره أن يأخذ جماعة من الشجر فيضربها بها ضربة واحدة كما قال الله سبحانه ) وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث ( الآية.
وقال وهب وغيره : كانت امرأة أيوب تكسب له وتعمل للناس وتجيئه بقوته، فلمّا طال عليهما البلاء وسئمها الناس فلم يستعملها التمست له يوماً من الأيّام ما تطعمه، فما وجدت شيئا


الصفحة التالية
Icon