" صفحة رقم ٣٠٢ "
وكان من طول ما عاين وقاسى من بلاء قومه يشتهي أن ينزل الله بهم بأسه.
وقال الحسن : إنّما غاضب ربّه من أجل أنّه أمر بالمصير إلى قومه لينذرهم بأسه ويدعوهم إليه، فسأل ربّه أن يُنظره ليتأهّب للشخوص إليهم، فقيل له : إنّ الأمر أسرع من ذلك ولم يُنظر حتى سأل أن ينظر إلى أن يأخذ نعلاً يلبسها، فقيل له نحو القول الأول، وكان رجلاً في خلقه ضيق، فقال : أعجلني ربي أن آخذ نعلا ؟ فذهب مغاضباً.
وقال وهب بن منّبه اليماني : إنّ يونس بن متّى كان عبداً صالحاً، وكان في خلقه ضيق، فلمّا حملت عليه أثقال النبوّة تفسّخ تحتها تفسّخ الربع تحت الحمل الثقيل، فقذفها من يده وخرج هارباً منها، فلذلك أخرجه الله سبحانه من أُولي العزم، فقال لنبيّه محمد ( عليه السلام ) :) فاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولو العَزْمِ مِنَ الرُّ سُل ( وقال :) وَلاَ تَكُنْ كَصاحِبِ الحُوتِ ( أي لا تلق أمري كما ألقاه.
) فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ( أن لن نقضي عليه العقوبة، قاله مجاهد وقتادة والضحّاك والكلبي، وهي رواية العوفي عن ابن عباس، تقول العرب : قدّر الله الشيء بقدره تقديراً وقدره يقدره قدراً، ومنه قوله ) نَحْنُ قَدَّرنْا بَيْنَكُمُ المَوْتَ ( وقوله ) والّذِي قَدَّرَ فَهَدى ( في قراءة من خفّفهما، ودليل هذا التأويل قراءة عمر بن عبد العزيز والزّهري ) فَظَنَ أن لَنْ نُقّدِرَ عَلَيْهِ ( بضم النون وتشديد الدال من التقدير، وقرأ عبيد بن عمير وقتادة : فظنّ أن لن يُقدّر عليه بالتشديد على المجهول، وقرأ يعقوب يُقدَر بالتخفيف على المجهول. وقال الشاعر في القدر بمعنى التقدير :
فليست عشيّات الحمى برواجع
لنا أبداً ما أورق السلم النضر
ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى
تباركت ما تقدر نفع ولك الشكر
وقال عطاء وكثير من العلماء : معناه فظنّ أن لن نضيّق عليه الحبس من قوله سبحانه ) الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( أي يضيّق


الصفحة التالية
Icon