" صفحة رقم ٥٢ "
ونسختها آية القتال ) إنَّ رَبَّكَ هُوَ أعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ }
النحل :( ١٢٦ ) وإن عاقبتم فعاقبوا.....
) وَإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ (.
قال أكثر المفسرين : سورة النحل مكية كلها إلاّ ثلاث آيات ) وَإنْ عَاقَبْتُمْ ( إلى آخرها، فإنها نزلت بالمدينة في شهداء أحد، وذلك أن المسلمين لما رأوا ما فعل المشركون بقتلهم يوم أحد في تبقير البطون وقطع المذاكير والمثلة السيئة، حتّى لم يبق أحد من قتلى المسلمين إلا وقد مُثّل به غير حنظلة الراهب فإن أباه أبو عامر الراهب كان مع أبي سفيان، فتركوا حنظلة لذلك، فقال المسلمون حين رأوا ذلك : لئن أظهرنا الله عليهم لتزيدنّ على صنيعهم ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط ولنفعلنَّ ولنفعلنَّ، ووقف رسول الله ( ﷺ ) على عمّه حمزة بن عبد المطلب وقد جدعوا أنفه وإذنه وقطعوا مذاكيره وبقروا بطنه، وأخذت هند بن عتبة قطعة من كبده فمصصته ثمّ استرطتها لتأكلها، فلم تلبث في بطنها حتّى رمت بها، فبلغ ذلك النبي ( ﷺ ) وقال :( أما إنها لو أكلته لم تدخل النار أبداً، حمزة أكرم على الله من أن يدخل شيئاً من جسده النار ) فلما نظر رسول الله ( ﷺ ) إلى عمه حمزة نظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه فقال ( ﷺ ) ( رحمة الله عليك فإنك ما علمتك ما كنت إلا فعالاً للخيرات وصولا للرحم، ولولا حزن من بعدك عليك لسرّني أن أُدعك حتّى تحشر من أفواه شتى، أم والله لئن أظفرني الله عليهم لأُمثلن بسبعين منهم مكانك ).
فأنزل الله تعالى ) وَإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ( الآية فقال ( ﷺ ) ( بل نصبر ) فأمسك عمّا أراد وكفّر يمينه.
وقال ابن عبّاس والضحاك : وكان هذا قبل نزول براءة حين أمر النبي ( ﷺ ) أن يقاتل من قاتله ولا يبدأ بالقتال، فلمّا أعز الله الاسلام وأهله ونزلت براءة وأُمروا بالجهاد، نسخت هذه الآية.
وقال قوم : بل هذه الآية محكمة وإنما نزلت فيمن ظلم بظلامة فلا يحل له أن ينال من ظالم أكثر مما نال الظالم منه أمر بالجزاء أو العفو ونهى عن الاعتداء. وهذا قول النخعي والثوري ومجاهد وابن سيرين، ثمّ قال لنبيه ( ﷺ )
النحل :( ١٢٧ ) واصبر وما صبرك.....
) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلاَّ بِاللهِ ( أي بمعونة الله وتوفيقه ) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ( في إعراضهم عنك ) وَلا تَكُ فِي ضَيْق (.
قرأها بكسر الضاد هاهنا وفي سورة النحل ابن كثير والباقون : بالفتح وإختاره أبو عبيد، وقال : لأن الضيق في قلة المعاش وفي المساكن، فأما ما كان في القلب والصدر فإنه ضيق.
وقال أبو عمرو وأهل البصرة : الضيّق بفتح الضاد، الغم والضِيق بالكسر ( الشدّة ).


الصفحة التالية
Icon