" صفحة رقم ٢١٤ "
قالت : سألتك عن ماء رواء ليس من أرض ولا سماء فأجبتَ.
قال : وعن أيّ شيء سألتِني أيضاً ؟
قالت : ما سألتك عن شيء إلاّ هذا فاسأل الجنود فقالوا مثل قولها، أنساهم الله تعالى ذلك وكفى سليمان ( عليه السلام ) الجواب، ثمَّ إن سليمان دَعَاها إلى الإسلام وكانت قد رأت حال العرش والصرح فأجابت وقالت ) رَبّ إنّي ظلمتُ نفسي ( بالكفر ) وأسلمتُ مع سليمان لله رَبّ العالمين ( فحسن إسلامها.
واختلف العلماء في أمرها بعد إسلامها فقال أكثرهم : لمّا أسلمت أراد سليمان أن يتزوجها، فلمّا همَّ بذلك كره ما رأى من كثرة شعر ساقيها وقال : ما أقبح هذا فسأل الإنس : ما يذهب هذا ؟
قالوا : الموسى فقالت المرأة : لم تمسّني حديدة قطّ، فكره سليمان الموسى وقال : إنّها تقطع ساقيها، فسأل الجن فقالوا : لا ندري، ثمَّ سأل الشياطين فتلكأوا ثمّ قالوا : انّا نحتال لك حتى تكون كالفضة البيضاء فاتخذوا لها النورة والحمّام.
قال ابن عباس : فإنّه لأول يوم رؤيت فيه النورة واستنكحها سليمان عليه السلام.
أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا محمد بن أحمد بن نصرويه قال : حدّثنا محمد بن عمران ابن هارون قال : حدّثنا محمد بن ميمون المكي قال : حدّثني أبو هارون العطار عن أبي حفص الأبّار عن إسماعيل بن أبي بردة عن أبي موسى يبلغ به النبي ( ﷺ ) قال :( أول من اتخذ الحمامات سليمان بن داود عليه السلام، فلمّا ألزق ظهره إلى الجدر فمسّهُ حرّها قال : آوه مِن عذاب الله ).
قالوا : فلما تزوّجها سليمان أحبّها حبّاً شديداً وأقرّها على ملكها وأمر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعاً وحسناً وهي : سلحون وسون وعمدان، ثم كان سليمان عليه السلام يزورها في كل شهر مرَّة بعد أن ردها إلى ملكها، ويقيم عندها ثلاثة أيّام يبتكر من الشام إلى اليمن ومن اليمن إلى الشام، وولدت له فيما ذكر.
وروى ابن أبي إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب قال : زعموا أنّ سليمان بن داود عليه السلام قال لبلقيس لمّا أسلمت وفرغ من امرها : اختاري رجلاً من قومك أُزّوجكه.
قالت : ومثلي يا نبي الله ينكح الرجال وقد كان لي في قومي من الملك والسلطان ما كان.
قال : نعم إنّه لا يكون في الإسلام إلاّ ذلك ولا ينبغي لكِ أنْ تحرّمي ما أحل الله لكِ.


الصفحة التالية
Icon