" صفحة رقم ١٦٠ "
على مزدكي، وهو غافل عمّا تريد به، مقبل على عبادة ربه وإصلاح معيشته، فجمعت أزبيل جمعاً من الناس وأمرتهم أن يشهدوا على مزدكي أنه سبّ زوجها أجب فأجابوها إلى ملتمسها من الشهادة عليه.
وكان من حكمهم في ذلك الزمان على من سبّ الملك القتل إذا قامت عليه البيّنة بذلك فأحضرت مزدكي، وقالت له : بلغني أنّك شتمت الملك وعبته. فأنكر مزدكي ذلك، فقالت المرأة : إنّ عليك شهوداً، وأحضرت الشهود فشهدوا بحضرة الناس عليه بالزور، فأمرت بقتل مزدكي فقتل وأخذت جنينته غصباً فغضب الله عليهم بقتل العبد الصالح.
فلما قدم الملك من سفره أخبرته الخبر، فقال لها : ما أصبت ولا وفقتِ ولا أرانا نفلح بعده أبداً، وإنا كنّا عن جنينته لأغنياء، قد كنّا نتنزه فيها، وقد جاورنا وتحرّم بنا مذ زمان طويل، فأحسنا جواره وكففنا عنه الأذى، لوجوب حقه علينا، فختمت أمره بأسوأ الجوار، وما حملكِ على اجترائكِ عليه إلاّ سفهك وسوء رأيك وقلّة تفكرك في العواقب. فقالت : إنما غضبت لك وحكمت بحكمك. فقال لها : أوما يسعه حلمك ويحدوك عظيم خطرك على العفو عن رجل واحد فتحفظين له جواره ؟ قالت : قد كان ما كان.
فبعث الله تعالى إلياس ( عليه السلام ) إلى أُجب الملك وقومه وأمره أن يخبرهم أنّ الله سبحانه قد غضب لوليّه حين قتلوه بين أظهرهم ظلماً، وآلى على نفسه أنهما إن لم يتوبا عن صنعهما ولم يردّا الجنينة على ورثة مزدكي أن يهلكهما يعني أجب وامرأته في جوف الجنينة أشرّ ما يكونان بسفك دميهما ثم يدعهما جيفتين ملقاتين فيها حتى تتعرى عظامهما من لحومهما ولا يمتّعان بها إلاّ قليلاً.
قال : فجاء إلياس وأخبره بما أوحى الله تعالى إليه في أمره وأمر امرأته والجنينة، فلما سمع الملك ذلك اشتد غضبه عليه ثم قال له : يا إلياس والله ما أرى ما تدعو إليه إلاّ باطلاً، والله ما أرى فلاناً وفلاناً، سمى ملوكاً منهم قد عبدوا الأوثان إلاّ على مثل ما نحن عليه يأكلون ويشربون ويتنعّمون مملكين ما ينقص من دنياهم ولا من أمرهم الذي تزعم أنه باطل، وما نرى لكم علينا ( ولا ) عليهم من فضل.
قال : وهمّ الملك بتعذيب إلياس وقتله، فلما سمع إلياس ذلك وأحسّ بالشر، رفضه وخرج عنه، فلحق بشواهق الجبال، وعاد الملك إلى عبادة بعل. فارتقى إلياس أصعب جبل وأشمخه، فدخل مغارة فيه، فيقال : إنه قد بقي فيه سبع سنين شريداً طريداً خائفاً يأوي إلى