" صفحة رقم ١٨٦ "
طارت غير بعيد، من غير أن توئيسه من نفسها فامتد اليها ليأخذها فتنحت، فتبعها فطارت حتّى وقعت في كوة، فذهب ليأخذها فطارت من الكوة، فنظر داود أين تقع، فبعث إليها من يصيدها، فأبصر امرأة في بستان على شط بركة لها تغتسل، هذا قول الكلبي.
وقال السدي : رآها تغتسل على سطح لها، فراى امرأة من أجمل النساء خلقاً، فتعجب داود من حسنها وحانت منها التفاتة وأبصرت ظله، فنفضت شعرها فغطى بدنها، فزاده ذلك إعجاباً بها فسأل عنها. فقيل : هي تشايع بنت شايع امرأة أوريا بن حنانا، وزوجها في غزاة بالبلقاء مع أيوب بن صوريا ابن أخت داود.
فكتب داود إلى ابن أخته أيوب صاحب بعث البلقاء : أن ابعث أوريا إلى موضع كذا وقدّمه قبل التابوت وكان من قدّم على التابوت لا يحل له أن يرجع وراءه حتّى يفتح الله سبحانه على يديه أو يستشهد، فبعثه وقدّمه فَفُتح له، فكتب إلى داود بذلك، فكتب إليه أيضاً : أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا. فبعثه فَفُتح له، فكتب إلى داود بذلك، فكتب إليه أيضاً : أن ابعثه إلى عدو كذا أشدّ منه بأساً. فبعثه فقتل في المرة الثالثة، فلمّا انقضت عدّة المرأة تزوجّها داود فهي أم سليمان.
وقال آخرون : سبب امتحانه أن نفسه حدثته أنّه يطيق قطع يوم بغير مقارفة.
وهو ما أخبرنا شعيب بن محمّد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدثنا أحمد بن الأزهر قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا سعيد عن مطر عن الحسن قال : إن داود جزّأ الدهر أربعة أجزاء : يوماً لنسائه، ويوماً للعبادة، ويوماً للقضاء بين بني إسرائيل، ويوماً لبني إسرائيل يذاكرهم ويذاكرونه ويبكهم ويبكونه.
قال : فلما كان يوم بني إسرائيل ذكروا فقالوا : هل يأتي على الإنسان يوم لايصيب فيه ذنباً ؟
فأضمر داود في نفسه أنه سيطبق ذلك، فلمأا كان يوم عبادته غلق أبوابه وأمر أن لايدخل عليه أحد، وأكبّ على قراءة التوراة، فبينما هو يقرأ إذ حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن قد وقعت بين يديه، فأهوى إليها ليأخذها، فطارت فوقعت غير بعيد من غير أن توئيسه من نفسها، فما زال يتبعها حتّى أشرف على امرأة تغتسل فأعجبه خلقها وحسنها، فلمّا رأت ظله في الأرض جللت نفسها بشعرها، فزاده ذلك بها إعجاباً، وكان قد بعث زوجها على بعض جيوشه، فكتب إليه أن أسر إلى مكان كذا وكذا مكاناً، إذا سار إليه قُتل ولم يرجع ففعل فأصيب، فخطبها داود فتزوجها.