" صفحة رقم ١٩٤ "
قال : يارب كيف لي أن تعفو عني وصاحبي لم يعف عني.
قال : ياداود أعطيه يوم القيامة مالم تر عيناه ولم تسمع أُذناه فأقول له : رضى عبدي ؟
فيقول : يارب من أين لي هذا ولم يبلغه عملي.
فأقول له : هذا عوض من عبدي داود فأستوهبك منه فيهبك لي.
قال : يا رب الآن قد عرفت أنك قد غفرت لي.
فذلك قوله سبحانه :) فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأنَابَ }
ص :( ٢٥ ) فغفرنا له ذلك.....
) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ ( يعني ذلك الذنب ) وَإنَّ لَهُ ( بعد المغفرة ) عِنْدَنَا ( يوم القيامة ) لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآب ( يعني حسنٌ مرجع. وأخبرني ابن فنجويه قال : حدثنا مخلد بن جعفر قال : حدثنا الحسن بن علوية قال : حدثنا إسماعيل بن عيسى قال : حدثنا إسحاق بن بشر قال : أخبرنا أبو الياس ومقاتل وأبو عبد الرحمن الجندي عن وهب بن منبه قال : إن داود لما تاب الله عزّ وجّل عليه بكى على خطيئته ثلاثين سنة، لاترقأ له دمعة ليلاً ونهاراً، وكان أصاب الخطيئة وهو ابن سبعين سنة، فقسّم الدهر بعد الخطيئة على أربعة أيام : فكان يوم للقضاء بين بني إسرائيل، ويوم لنسائه، ويوم يسيح في الفيافي وفي الجبال والساحل، ويوم يخلوا في دار له فيها أربعة آلاف محراب، فيجتمع إليه الرهبان فينوح معهم على نفسه ويساعدونه على ذلك، فإذا كان يوم سياحته، يخرج في الفيا في فيرفع صوته بالمزامير، فيبكي وتبكي معه الشجر والرمال والطير والوحوش حتّى تسيل من دموعهم مثل الأنهار، ثم يجيء إلى الجبال فيرفع صوته بالمزامير فيبكي وتبكي معه الحجارة والجبال والدواب والطير حتّى تسيل أودية من بكائهم، ثم يجيء إلى الساحل فيرفع صوته بالمزامير فيبكي وتبكي معه الحيتان ودواب البحر والسباع وطير الماء، فإذا أمسى رجع.
فإذا كان يوم نوحه على نفسه، نادى مناديه : أن اليوم يوم نَوح داود على نفسه، فليحضر من يساعده.
قال : فيدخل الدار التي فيها المحاريب فيبسط له ثلاث فرش من مسوح، حشوها ليف فيجلس عليها وتجيء الرهبان أربعة آلاف راهب عليهم البرانس وفي أيديهم العصي فيجلسون في تلك المحاريب، ثم يرفع داود صوته بالبكاء والنوح على نفسه، ويرفع الرهبان معه أصواتهم، فلا يزال يبكي حتى يغرق الفراش من دموعه، ويقع داود فيها مثل الفرخ يضطرب فيجيء ابنه سليمان فيحمله، فيأخذ داود من تلك الدموع بكفيه ثم يمسح بها وجهه ويقول : يارب اغفر ماترى، فلو عدل بكاء داود ببكاء أهل الدُّنيا لعدله.