" صفحة رقم ١٣٩ "
الحليفَين والمحبَّين في الجاهلية كانا إذا أرادا عقد الصفاء والعهد والوفاء خرجا بقوسيهما والصفا بينهما يريدان بذلك أنّهما متظاهران متحاميان يحامي كل واحد منهما عن صاحبه.
وقيل : هذا تمثيل في تقريب الشيء من الشيء، وهو مستعمل في أمثال العرب وأشعارهم، وقال سفيان بن سلمة وسعيد بن جبير وعطاء وابن إسحاق الهمداني :) فكان قاب قوسين ( قدر ذراعين، والقوس : الذراع يقاس بها كل شيء، وهي لغة بعض أهل الحجاز. ) أو أدنى ( بل أقرب.
وقال بعض : إنّما قال ) أو أدنى ( ؛ لأنه لم يردْ أن يجعل لذلك حدّاً محصوراً.
وسئل أبو العباس بن عطاء عن هذه الآية فقال : كيف أصف لكم مقاماً انقطع عنه جبريل وميكائيل وإسرافيل، ولم يكن إلاّ محمد وربّه ؟ وقال الكسائي :) فكان قاب قوسين ( أراد قوساً واحداً كقول الشاعر :
ومَهْمَهَيْنِ قَذَقَيْنِ مَرْتَيْنْ
قطعته بالسّمْتِ لا بالسّمْتَيْنْ
أراد مهمهاً واحداً.
وقال بعض أهل المعاني : معنى قوله :) فتدلّى ( فتدلّل من الدلال كقولهم :( تظني بمعنى تظنن ) وأملى وأملل بمعنى واحد.
النجم :( ١٠ ) فأوحى إلى عبده.....
) فأوحى ( يعني فأوحى الله سبحانه وتعالى ) إلى عبده ( محمد ( ﷺ ) ) ما أوحى ( قال الحسن والربيع وابن زيد : معناه فأوحى جبريل إلى رسول الله ( ﷺ ) ما أوحى إليه ربّه، قال سعيد : أوحى إليه ) ألم يجدك يتيماً ( إلى قوله ) ورفعنا لك ذكرك (، وقيل : أوحى إليه أن الجنة محرّمة على الأنبياء حتى تدخلها، وعلى الأُمم حتى تدخلها أُمّتك، وسئل أبو الحسن الثوري عنه فقال : أوحى إليه سرّاً بسرّ من سرّ في سرّ وفي ذلك يقول القائل :
بين المحبين سر ليس يفشيه
قول ولا قلم للخلق يحكيه
سرُّ يمازجه أنس يقابله
نور تحيّر في بحر من التِّيه
النجم :( ١١ ) ما كذب الفؤاد.....
) ما كذب الفؤاد ما رأى ( قرأ الحسن وأبو جعفر ( والحجدري ) وقتادة ( كذّب ) بتشديد الذال، أي : ما كذّب قلب محمد ما رآى بعينه تلك الليلة، بل صدّقه وحقّقه، وقرأ الباقون بالتخفيف، أي ما كذب فؤاد محمد محمداً الذي رآى بل صدّقه، ومجاز الآية : ما كذب الفؤاد فيما رأى، فأسقط الصفة، كقول الشاعر