" صفحة رقم ٢٤١ "
طال عليهم الأمد قست قلوبهم فاخترعوا كتاباً من عند أنفسهم استهوته قلوبهم واستحلته أنفسهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، فقالوا : إعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل فإن تابعوكم فأتركوهم، وإن خالفوكم فاقتلوهم، ثم قالوا : لا بل أرسلوا إلى فلان رجلا من علمائهم فاعرضوا عليه الكتاب فإن تابعكم فلن يخالفكم أحد بعده وإن خالفكم فإقتلوه فلن يختلف عليكم بعده أحد.
فأرسلوا إليه، فأخذ ورقة فكتب فيها كتاب الله عزّوجل ثم جعلها في قَرن ثم علّقها في عنقه، ثم لبس عليه الثياب، ثم أتاهم فعرضوا عليه الكتاب فقالوا : أتؤمن بهذا ؟ فأومأ إلى صدره فقال : آمنت بهذا، ومالي لا أومن بهذا ؟ يعني الكتاب الذي في القَرن، فخلّوا سبيله.
وكان له أصحاب يغشونه، فلما مات نبشوه فوجدوا القَرن ووجدوا فيه الكتاب، فقالوا : ألا ترون قوله : آمنت بهذا، ومالي لا أوُمن بهذا ؟ إنما عني هذا الكتاب ؟ فاختلف بنو إسرائيل على بضع وسبعين ملة، وخير مللهم أصحاب ذي القَرن.
قال عبدالله : وإن من بقي منكم سيرى منكراً، وبحسب أمرى يرى منكراً لا تستطيع أن يغيره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره.
وقال مقاتل بن حيان : إنما يعني بذلك مؤمني أهل الكتاب قبل أن يبعث النبي ( ﷺ ) ) طال عليهم الأمد ( يعني خروج النبي ( ﷺ ) ) فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ( يعني الذين ابتدعوا الرهبانية أصحاب الصوامع، ثبتت طائفة منهم على دين عيسى حتى بعث النبي ( ﷺ ) وآمنوا به، ومنهم طائفة رجعت عن دينها وهم الذين فسّقهم فكفروا بدين عيسى ولم يؤمنوا بمحمد ( عليه السلام ).
وقال محمد بن كعب : كانت الصحابة بمكة مجدبين، فلما هاجروا أصابوا الريف والنعمة ففتروا عمّا كانوا فيه، فقست قلوبهم، فينبغي للمؤمنين أن يزدادوا إيماناً ويقيناً وإخلاصاً في طول صحبة الكتاب.
أنبأني عبدالله بن حامد، أخبرنا أبو عبدالله محمد بن العباس الضبّي، أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبدالله النيّري، حدّثنا أبو سعيد الأشج، حدّثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن وائل بن بكر قال : قال عيسى ( عليه السلام ) :( لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فَتقسوَ قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد فإنما الناس رجلان مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية ).