" صفحة رقم ٢٤٦ "
وقال الفضيل في هذا المعنى : الدنيا مفيد ومبيد فما أباد فلا رجعة له، وما أفاد فقد أذن بالرحيل.
وقال الحسين بن الفضل : حمل الله سبحانه بهذه الآية المؤمنين على مضض الصبر على الفائت، وترك الفرح بالآتي، والرضا بقضائه في الحالتين جميعاً.
وقال قتيبة بن سعيد : دخلت بعض أحياء العرب فإذا أنا بفضاء من الأرض مملوء من الإبل الموتى والجيف بحيث لا أُحصي عددها، فسألت عجوزاً : لمن كانت هذه الإبل ؟ فأشارت إلى شيخ على تلّ يغزل صوفاً، فقلت له : يا شيخ ألك كانت هذه الإبل ؟ قال : كانت باسمي. قلت : فما أصابها ؟ قال : ارتجعها الذي أعطاها. قلت : وهل قلت في ذلك شيئاً ؟ قال : نعم :
لا والذي أخذ (... ) من خلائقه
والمرء في الدهر نصب الرزء والمحنِ
ما سرّني أنّ إبْلي في مباركها
وما جرى في قضاء الله لم يكنِ
وقال سلم الخوّاص : من أراد أن يأكل الدارين فليدخل في مذهبنا عامين ؛ ليضع الله سبحانه الدنيا والآخرة بين يديه. قيل : وما مذهبكم ؟ قال : الرضا بالقضا، ومخالفة الهوى. وأنشد :
لا تطل الحزن على فائت
فقلّما يجدي عليك الحزنْ
سيّان محزون على ما مضى
ومظهرٌ حزناً لما لم يكنْ
الحديد :( ٢٤ ) الذين يبخلون ويأمرون.....
) الذين يبخلون (، قيل : هو في محل الخفض على نعت ( المختال )، وقيل : هو رفع بالابتداء وخبره ما بعده. ) ويأمرون الناس بالبخل ومن يتولّ فإنّ الله هو الغني الحميد ( قرأ أهل المدينة والشام بإسقاط ) هو ( وكذلك هو في مصاحفهم. الباقون بإثباته.
الحديد :( ٢٥ ) لقد أرسلنا رسلنا.....
) لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ( يعني له يعدل. وقال ابن زيد : ما يوزن به. ) ليقوم الناس بالقسط ( : ليعمل الناس بينهم بالعدل ) وأنزلنا الحديد (، قال ابن عباس : نزل آدم من الجنّة معه خمسة أشياء من الحديد : السندان، والكلبتان، والمنقعة، والمطرقة، والأُبرة.
وقال أهل المعاني : يعني أنه أخرج لهم الحديد من المعادن، وعلمهم صنيعته بوحيه.
وقال قطرب : هذا من النُزُل كما تقول : أنزل الأمر على فلان نزلا حسناً، فمعنى الآية أنه جعل ذلك نزلا لهم، ومثله قوله :) وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج (.


الصفحة التالية
Icon