" صفحة رقم ٢٦٧ "
غزا رسول الله ( ﷺ ) أحداً وهزم المسلمون ارتابوا ونافقوا وأظهروا العداوة لرسول الله ( عليه السلام ) والمؤمنين، ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله ( ﷺ ) فركب كعب بن الأشرف في أربعين راكباً من اليهود إلى مكّة، فأتوا قريشاً فحالفوهم وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمّد ( عليه السلام ). ثم دخل أبو سفيان في أربعين وكعب في أربعين من اليهود المسجد وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الأستار والكعبة، ثم رجع كعب بن الأشرف وأصحابه إلى المدينة، فنزل جبريل على رسول الله ( ﷺ ) فأخبره بما تعاقد عليه كعب وأبو سفيان، وأمر ( عليه السلام ) بقتل كعب بن الأشرف فقتله محمّد بن مسلمة الأنصاري، وكان أخاه من الرضاعة.
وقد كان رسول الله ( ﷺ ) اطّلع منهم على خيانة ونقض عهد، حتى أتاهم رسول الله ( ﷺ ) ومعه أبو بكر وعمر وعليّ ( ج ) يستعينهم في دية الرجلين المسلمين اللذين قتلهما عمرو بن أُميّة الضمري في منصرفه من بئر معونة حين أغربا إلى بني عامر، فأجابوه ( ﷺ ) إلى ذلك، وأجلسوه وهمّوا بالفتك به وطرح حجر عليه من فوق الحصن، فأخبره الله سبحانه بذلك وعصمه.
وقد مضت هذه القصة وقصة مقتل كعب بن الأشرف،
فلمّا قتل كعب أصبح رسول الله ( ﷺ ) وأمر الناس بالسير إلى بني النضير، وكانوا بقرية لهم يقال لها : زهرة، فلمّا سار إليهم النبيّ ( ﷺ ) وجدهم ينوحون على كعب، وكان سيّدهم، فقالوا : يا محمّد، واعية على إثر واعية، وباكية على إثر باكية ؟ قال :( نعم ). قالوا : ذرنا نبكي بشجونا ثم ائتمرنا أمرك. فقال النبيّ ( ﷺ ) ( اخرجوا من المدينة ).
قالوا : الموت أقرب إلينا من ذلك.
فتنادوا بالحرب وأذنوا بالقتال، ودسّ المنافقون : عبد الله بن أُبّي وأصحابه إليهم أّلا تخرجوا من الحصن، فإن قاتلوكم فنحن معكم ولا نخذلكم ولننصرنكم، ولئن أُخرجتم لنخرجنّ معكم فدربوا على الأزقة وحصونها. ثم أجمعوا الغدر برسول الله ( ﷺ ) فأرسلوا إليه : اخرج في ثلاثين رجلا من أصحابك، وليخرج منا ثلاثون رجلا حتى نلتقي بمكان نَصَف بيننا وبينكم، فيسمعوا منك، فإن صدّقوك وآمنوا بك آمنّا كلّنا.
فخرج النبيّ ( ﷺ ) في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبراً من اليهود، حتى إذا كانوا في بَراز من الأرض قال بعض اليهود لبعض : كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلا من أصحابه كلّهم يحبّ أن يموت قبله ؟ فأرسلوا إليه : كيف نفهم ونحن ستون رجلا، اخرج في ثلاثة من أصحابك، ونخرج لك ثلاثة من علمائنا فيسمعوا منك، فإن آمنوا بك آمنّا كلّنا وصدّقناك.


الصفحة التالية
Icon