" صفحة رقم ٣١٣ "
وقال أبو حنيفة، لا تجب الجمعة على أهل السواد سواء كانت القرية قريبة من البلد أو بعيدة، حتى حكي أن محمد بن الحسن سأله هل تجب الجمعة على أهل دياره وبينها وبين الكوفة مجرى نهر، فقال : لا.
واختلف الفقهاء في عدد من ينعقد بهم الجمعة، فقال الحسن : ينعقد بأثنين، وقال الليث ابن سعد وأبو يوسف : بثلاثة، وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة : بأربعة، وقال ربيعة : الرأي بأثني عشر، وقال الشافعي : لا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين نفساً، قال : فكل قرية جمعت فيها أربعين بالغين عاقلين أحرار مقيمين لا يظعنون عنها شتاءً وصيفاً الا ظعن حاجة وجبت عليهم الجمعة، وقال مالك : إذا كانت قرية فيها سوق ومسجد فعليهم الجمعة من غير أعتبار عدد، وقال أبو حنيفة : لا تجب الجمعة على أهل السواد والقرى ولا يجوز لهم أقامتها فيها، وأشترط في وجوب الجمعة وأنعقادها : المصر الجامع للسلطان القاهر والسوق القائمة والنهر الجاري، واحتج بحديث علي كرم الله وجهه : لا جمعة ولا تسويق إلا في مصر جامع، وفي بعض الأخبار إلا على أهل مصر جامع وضعّفه بعضهم.
والدليل على أبي حنيفة حديث ابن عباس قال : أول جمعة جمعت بعد جمعة النبي ( ﷺ ) بالمدينة في قرية من قرى البحرين يقال لها جواثاً، وروى أن عمر بن الخطاب ح كتب إلى أهل البحرين صلّوا الجمعة حيث ماكنتم، وتصح إقامة الجمعة بغير إذْن السلطان وحضوره، وقال أبو حنيفة : من شرطها الإمام أو خليفة.
والدليل على أن السلطان ليس بشرط في أنعقاد الجمعة، ما روي أن الوليد بن عقبة والي الكوفة أبطأ يوماً في حضور الجمعة فتقدّم عبد الله بن مسعود وصلى الجمعة بالناس من غير إذنه، وروي أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه صلى الجمعة بالناس، يوم حصر عثمان ولم يُنقل أنه إستأذنه، وروى أن سعيد بن العاص والي المدينة لما أخرج من المدينة صلى أبو موسى الأشعري الجمعة بالناس من غير استئذان.
ولا يجوز أن يصلي في بلد واحد إلاّ جمعة واحدة فأن صليت ثانية بطلت، وقال أبو يوسف : فإن كان للبلد جانبان جاز أن يصلي كل جانب منه جمعة، وقال محمد بن الحسن يجوز أن يصلي في بلد واحد جمعتان أستحساناً.
فأما الوعيد الوارد لمن ترك صلاة الجمعة من غير عذر، فأخبرنا أبو عمرو الفراتي قال : حدّثنا أبو العباس الأحمر قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن الحكم قال : أخبرنا ابن أبي فديك قال : أخبرنا ابن أبي ذئب عن أسيد بن أسيد البرّاد عن عبد الله بن قتادة عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ( ﷺ ) قال :( من ترك الجمعة ثلاثاً من غير ضرورة طبع الله على قلبه ).