" صفحة رقم ٥٠ "
وهم يقولون : بطل عمل عامر، فأتيت نبي الله وأنا شاحب أبكي، فقلت : يا رسول الله أبطلَ عمل عامر ؟ فقال :( ومَنْ قال ذاك ؟ ) قلت : بعض أصحابك. قال :( كذب من قال، بل له أجره مرّتين، إنّه لجاهد مجاهد ).
قال : فحاصرناهم حتّى أصابتنا مخمصة شديدة ثمّ إنّ الله تعالى فتحها علينا، وذلك أنّ رسول الله ( ﷺ ) أعطى اللواء عمر بن الخطّاب، ونهض من نهض معه من الناس، فلقوا أهل خيبر، فانكشف عمر، وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله ( ﷺ ) يحينه أصحابه، ويحينهم، وكان رسول الله قد أخذته الشقيقة، فلم يخرج إلى النّاس، فأخذ أبو بكر راية رسول الله، ثمّ نهض فقاتل قتالاً شديداً، ثمّ رجع، فأخذها عمر، فقاتل قتالاً شديداً، وهو أشدّ من القتال الأوّل، ثمّ رجع، فأخبر بذلك رسول الله ( ﷺ ) فقال :( أما والله لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله، ورسوله، ويحبّه الله، ورسوله يأخذها عنوة ).
وليس ثَمّ علي، فلمّا كان الغد تطاول لها أبو بكر وعمر وقريش رجاء كلّ واحد منهم أن يكون صاحب ذلك، فأرسل رسول الله ( ﷺ ) سلمة بن الأكوع إلى علي، فدعاه، فجاء علي على بعير له حتّى أناخ قريباً من خباء رسول الله، وهو أرمد قد عصب عينيه بشقة برد قطري، قال سلمة : فجئت به أقوده إلى النبيّ ( ﷺ ).
فقال رسول الله :( ما لكَ ؟ ). قال : رمدت. فقال :( إدن منّي ). فدنا منه فتفل في عينيه، فما وجعهما بعد حتّى مضى لسبيله، ثمّ أعطاه الراية، فنهض بالراية وعليه حلّة أُرجوان حمراء، قد أخرج حملها، فأتى مدينة خيبر، وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر معصفر، وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يقول :
قد علمت خيبر أنّي مرحب
شاكي السلاح بطلٌ مجرّب
أطعن أحياناً
وحيناً أضرب
إذا الحروب أقبلت تلهّب
كان حمائي كالحمى لا يقرب
فبرز إليه علي ح، وقال :
أنا الّذي سمّتني أُمّي حيدره
كليثِ غابات شديد قسوره
أكيلكم بالسيف كيل السندره
فاختلفا ضربتين، فبدره علي، فضربه، فقدَّ الحجر والمغفرة، وفلق رأسه حتّى أخذ السيف