" صفحة رقم ٦٢ "
وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكّة قول رسول الله ( عليه السلام ) لأبي نصير :( ويل أُمّه مستعر حرب لو كان معه رجال ). فخرج عصابة منهم إليه، وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق بأبي نصير حتّى اجتمع إليه قريب من سبعين رجلاً منهم، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلاّ اعترضوا لهم فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، حتّى ضيّقوا على قريش، فأرسلت قريش إلى النبيّ ( ﷺ ) ( عليه السلام ) يناشدونه الله، والرحم، لمّا أرسل إليهم، فمن أتاه فهو آمن، فآواهم رسول الله ( ﷺ ) فقدموا عليه المدينة.
قال الله تعالى :) وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ ( بأن يقتلوهم ) فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ ( قال ابن زيد : إثم، وقال ابن إسحاق : غرم الدّية. وقيل : الكفّارة ؛ لأنّ الله تعالى إنّما أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يكن هاجر منها، ولم يعلم قاتله إيمانه الكفّارة دون الدّية، فقال جلّ ثناؤه :) فإن كان من قوم عدوّ لكم وهو مؤمِن، فَتَحْرِير رَقَبة (.
ولم يوجب على قاتل خطأ دية، وقيل : هو أنّ المشركين يعيبونكم ويقولون : قتلوا أهل دينهم. ( والمعرّة ) المشقّة، وأصلها من العرّ وهو الحرب لإذن ذلك في دخولها، ولكنّه حال بينكم، وبين ذلك ) لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ ( دينه الإسلام ) مَنْ يَشَاءُ ( من أهل مكّة قبل أن تدخلوها، هكذا نظم الآية وحكمها، فحذف جواب ( لولا ) استغناء بدلالة الكلام عليه، وقال بعض العلماء : قوله :( لعذّبنا ) جواب لكلامين : أحدهما ) لولا رجالٌ مؤمنين (، والثاني :) لو تزيلوا ( أي تميّزوا.
ثمّ قال :) ليدخل الله في رحمته من يشاء ( يعني المؤمنين، والمؤمنات ) في رحمته ( لكن جنّته. قال قتادة : في هذه الآية إنّ الله يدفع بالمؤمنين عن الكفّار، كما يدفع بالمستضعفين من المؤمنين عن مشركي مكّة.
أخبرنا أبو عبدالله بن منجويه الدينوري، حدّثنا أبو علي بن حبش المقري، حدّثنا أبو الطيّب أحمد بن عبدالله بن بجلي الدارمي بإنطاكية، حدّثني أحمد بن يعقوب الدينوري، حدّثنا محمّد بن عبدالله بن محمّد الأنصاري، حدّثني محمّد بن الحسن الجعفري، قال : سمعت جعفر ابن محمّد يحدِّث، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قول الله تعالى :) لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ( قال :( هم المشركون من أجداد النبيّ ( ﷺ ) ممّن كان بعده في عصره، كان في أصلابهم المؤمنون، فلو تزيّل المؤمنون عن أصلاب الكفّار يعذب الله عذاباً أليماً ). إذ من صلة قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon