" صفحة رقم ٧٢ "
يبكيك يا ثابت ؟ قال : هذه الآية أتخوّف أن تكون نزلت فيَّ، وأنا رفيع الصوت، أخاف أن يحبط عملي، وأن أكون من أهل النار، فمضى عاصم إلى رسول الله ( ﷺ ) وغلب ثابتاً البكاء، فأتى امرأته جميلة بنت عبدالله بن أبي بن سلول، فقال لها : إذا دخلت بيت فرسي، فشدّي على الضبة بمسمار فضربته بمسمار حتى إذا خرجت عطفه، وقال : لا أخرج حتّى يتوفّاني الله، أو يرضى عنّي رسول الله، فأتى عاصم رسول الله، فأخبره بخبره. فقال :( اذهب، فادعه لي ). فجاء عاصم إلى المكان الذي رآه فلم يجده، فجاء إلى أهله، فوجده في بيت الفرس، فقال له : إنّ رسول الله يدعوك، فقال : أكسر الصَبّة، فأتيا رسول الله، فقال له رسول الله ( ﷺ ) ( ما يبكيك يا ثابت ؟ ) فقال : أنا صيّت وأتخوّف أن تكون هذه الآية نزلت فيَّ، فقال له رسول الله ( ﷺ ) ( أما ترضى أن تعيش سعيداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنّة )، فقال : رضيت ببشرى الله ورسوله، لا أرفع صوتي أبداً على رسول الله، فأنزل الله سبحانه :
الحجرات :( ٣ ) إن الذين يغضون.....
) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ( الآية.
قال أنس : فكنّا ننظر إلى رجل من أهل الجنّة، يمشي بين أيدينا، فلمّا كان يوم اليمامة في حرب مسيلمة، رأى ثابت في المسلمين بعض الانكسار، وانهزمت طائفة منهم، فقال : أف لهؤلاء، وما يصنعون. ثمّ قال ثابت لسالم مولى أبي حذيفة : ما كنا نقاتل أعداء الله مع رسول الله مثل هذا، ثمّ ثبتا، ولم يزالا يقاتلان حتّى قُتلا. وثابت بن قيس عليه درع، فرآه رجل من الصحابة بعد موته في المنام أنّه قال له : اعلم أنّ فلاناً رجلٌ من المسلمين نزع درعي، فذهب بها وهي في ناحية من العسكر عنده فرس تستر في طوله، وقد وضع على درعي لرمه، فأتِ خالد بن الوليد، فأخبره حتّى يسترد درعي وأتِ أبا بكر خليفة رسول الله وقل له : إنّ عليَّ ديناً حتّى يقضي، وفلان من رقيقي عتيق.
فأخبر الرجل خالداً فوجد درعه والفرس على ما وصفه، فاسترد الدرع، وأخبر خالد أبا بكر تلك الرؤيا، فأجاز أبو بكر وصيّته. قال مالك بن أنس : لا أعلم أجيزت بعد موت صاحبها إلاّ هذه.
حدّثنا أبو محمّد المخلدي، قال : أخبرنا أبو العبّاس السرّاج، قال : حدّثنا زياد بن أيّوب، قال : حدّثنا عباد بن العوّام، ويزيد بن هارون وسعيد بن عادر، عن محمّد بن عمرو، عن أبي سلمة، قال : حدّثنا سعيد، عن أبي هريرة. قال : لمّا نزلت ) لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ (... الآية، قال أبو بكر : والله لا أرفع صوتي إلاّ كأخي السِرار.