" صفحة رقم ٨ "
قالت : فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه أبياتنا موضعه الّذي توفي فيه، فلمّا توفي غسّل وكفّن في أثوابه، فدخل رسول الله ( ﷺ ) فقلت لعثمان بن مظعون : رحمة الله عليك أبا السائب، لقد أكرمك الله، فقال رسول الله :( وما يدريك إنّ الله تعالى أكرمه ).
قالت : فقلت : بأبي أنت وأمي لا أدري. قال :( أما هو فقد جاءه اليقين وما رأينا إلاّ خيراً. فوالله إنّي لأرجو له الجنّة، فوالله ما أدري وأنا رسول الله ماذا يفعل بي ). قالت : فوالله لا أزكّي بعده أحداً.
قالوا : وإنّما قال هذا حين لم يخبر بغفران ذنبه، وإنّما غفر الله له ذنبه في غزوة الحديبية قبل موته بسنتين وشيء، وقال ابن عبّاس : لمّا اشتدّ البلاء بأصحاب رسول الله ( ﷺ ) رأى رسول الله فيما يرى النائم وهو بمكّة أرضاً ذات سباخ ونخل رُفعت له، يهاجر إليها.
فقال له أصحابه وهم بمكّه : إلى متى نكون في هذا البلاء الّذي نحن فيه ؟ ومتى نهاجر إلى الأرض التي أُريت. فسكت.
فأنزل الله تعالى :) وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ( أُترك في مكاني أو أخرج إلى الأرض التي رفعت لي، وقال بعضهم : معناها : ولا أدري ما يفعل بي ولا بكم، إلى ماذا يصير أمري وأمركم في الدُّنيا ؟
أنبأني عقيل بن محمّد، أخبرنا المعافى بن زكريا، أخبرنا محمّد بن جرير، أخبرنا ابن حميد، حدّثنا يحيى بن واضح، حدّثنا أبو بكر الهذل، عن الحسن. في قوله تعالى :) وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ (، فقال : أمّا في الآخرة فمعاذ الله قد علم إنّه في الجنّه حين أخذ ميثاقه في الرسل، ولكن قال :) مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ( في الدُّنيا، أُخرج كما أخرجت الأنبياء من قبلي ولا أدري ما يفعل بكم، أُمّتي المكذِّبة أم المصدّقة، أم أُمّتي المرميّة بالحجارة من السّماء قذفاً أم مخسوف بها خسفاً.
ثمّ أنزل الله تعالى :) هو الّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدى وَدين الحقّ ليُظْهِره عَلَى الدِّينِ كُلّه وَكَفى باللهِ شَهيدَاً (. يقول : سيظهر دينكم على الأديان. ثمّ قال في أُمّته :) وَمَا كَانَ الله ليُعذّبهم وأنتَ فيهم وما كانَ الله مُعذّبهم وهم يستغفرون ( فأخبره الله تعالى ما يصنع به وبأُمّته. وهذا قول السدي واليماني، وقال الضحّاك :) وَلا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ( أي ما تؤمرون وما تنهون عنه.