وبوأت الرمح: هيأت له مكانا، ثم قصدت الطعن به، وقال عليه السلام: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) (الحديث صحيح متفق على صحته وهو في فتح الباري ٣/١٣٠ في الجنائز؛ ومسلم رقم ١٤١ في المقدمة، باب تغليظ الكذب على رسول الله. وقال جعفر الكتاني: لا يعرف حديث رواه أكثر من ستين صحابيا إلا هذا، ولا حديث اجتمع على روايته العشرة إلا هو. انظر: نظم المتناثر ص ٢٣؛ وشرح السنة ١/٢٥٣)، وقال الراعي في صفة إبل:
*لها أمرها حتى إذا ما تبوأت**بأخفافها مأوى تبوأ مضجعا*
(البيت في ديوانه ص ١٦٤؛ وغريب الحديث ٤/٤٤٤؛ والجمهرة ٢/٣٤٧؛ والفائق ١/٦٥٥)
أي: يتركها الراعي حتى إذا وجدت مكانا موافقا للرعي طلب الراعي لنفسه متبوأ لمضجعه. ويقال: تبوأ فلان كناية عن التزوج، كما يعبر عنه بالبناء فيقال: بنى بأهله. ويستعمل البواء في مراعاة التكافؤ في المصاهرة والقصاص، فيقال: فلان بواء لفلان إذا ساواه، وقوله عز وجل: ﴿باء بغضب من الله﴾ [الأنفال/١٦]، أي: حل مبوأ ومعه غضب الله، أي: عقوبته، وقوله: ﴿بغضب﴾ في موضع حال، كخرج بسيفه، أي: رجع، لا مفعول نحو: مر بزيد. واستعمال (باء) تنبيها على أن مكانه الموافق يلزمه فيه غضب الله، فكيف غيره من الأمكنة؟ وذلك على حد ما ذكر في قوله: ﴿فبشرهم بعذاب أليم﴾ [آل عمران/٢١]، وقوله: ﴿إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك﴾ [المائدة/٢٩] أي: تقيم بهذه الحالة. قال:
*أنكرت باطلها وبؤت بحقها*
(الشطر للبيد وعجزه:
عندي ولم يفخر علي كرامها
وهو في ديوانه ص ١٧٨؛ شرح المعلقات ١/١٧٠؛ والعباب الفاخر (بوء) ١/٥٦)
وقول من قال: أقررت بحقها فليس تفسيره بحسب مقتضى اللفظ (قال الصاغاني: ويقال: باء بحقه، أي: أقر، وذا يكون أبدا بما عليه لا له. انظر العباب: (بوء) ؛ واللسان (بوء) ؛ والمجمل (بوء) ).


الصفحة التالية
Icon