والسبب فيه أن الهمزة والباء اللتين للتعدية لا يجتمعان، وقوله: ﴿وكفى بالله شهيدا﴾ [الفتح/٢٨]، فقيل: كفى الله شهيدا نحو:: ﴿وكفى الله المؤمنين القتال﴾ [الأحزاب/٢٥] الباء زائدة، ولو كان ذلك كما قيل لصح أن يقال: كفى بالله المؤمنين القتال، وذلك غير سائغ، وإنما يجيء ذلك حيث يذكر بعده منصوب في موضع الحال كما تقدم ذكره. والصحيح أن (كفى) ههنا موضوع موضع اكتف، كما أن قولهم: أحسن بزيد، موضوع موضع ما أحسن. ومعناه: اكتف بالله شهيدا، وعلى هذا ﴿وكفى بربك هاديا ونصيرا﴾ [الفرقان/٣١]، ﴿وكفى بالله وكيلا﴾ [النساء/١٣٢]، [الأحزاب/٤٨]، وقوله: ﴿أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد﴾ [فصلت/٥٣]، وعلى هذا قوله: حب إلي بفلان، أي: أحبب إلي به.
ومما أدعي فيه الزيادة: الباء في قوله: ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ [البقرة/١٩٥]، قيل تقديره: لا تلقوا أيديكم، والصحيح أن معناه: لا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة) (انظر: مغني اللبيب ص ١٤٨)، إلا أنه حذف المفعول استغناء عنه وقصدا إلى العموم، فإنه لا يجوز إلقاء أنفسهم ولا إلقاء غيرهم بأيديهم إلى التهلكة.
وقال بعضهم: الباء بمعنى (من) في قوله: ﴿عينا يشرب بها المقربون﴾ [المطففين/٢٨]، ﴿عينا يشرب بها عباد الله﴾ (وجعل الباء بمعنى (من) للتبعيض أثبته الأصمعي والفارسي والقتبي وابن مالك والكوفيون. راجع: مغنى البيب ص ١٤٢) [الإنسان/٦]، والوجه ألا يصرف ذلك عما عليه، وأن العين ههنا إشارة إلى المكان الذي ينبع منه الماء لا إلى الماء بعينه، نحو: نزلت بعين، فصار كقولك: مكانا يشرب به، وعلى هذا قوله تعالى: ﴿فلا تحسبهم بمفازة من العذاب﴾ [آل عمران/١٨٨] أي: بموضع الفوز. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon