والصديق: من كثر منه الصدق، وقيل: بل يقال لمن لا يكذب قط، وقيل: بل لمن لا يتأتى منه الكذب لتعوده الصدق، وقيل: بل لمن صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله، قال: ﴿واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا﴾ [مريم/٤١]، وقال: ﴿واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا﴾ [مريم/٥٦]، وقال: ﴿وأمه صديقة﴾ [المائدة/٧٥]، وقال: ﴿فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء﴾ [النساء/٦٩]، فالصديقون هم قوم دوين الأنبياء في الفضيلة على ما بينت في (الذريعة إلى مكارم الشريعة (انظر: الذريعة ص ٧١، باب أصناف الناس). وقد يستعمل الصدق والكذب في كل ما يحق ويحصل في الاعتقاد، نحو: صدق ظني وكذب، ويستعملان في أفعال الجوارح، فيقال: صدق في القتال: إذا وفى حقه، وفعل ما يجب وكما يجب، وكذب في القتال: إذا كان بخلاف ذلك قال: ﴿رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه﴾ [الأحزاب/٢٣]، أي: حققوا العهد بما أظهروه من أفعالهم، وقوله: ﴿ليسأل الصادقين عن صدقهم﴾ [الأحزاب/٨]، أي: يسأل من صدق بلسانه عن صدق فعله تنبيها أنه لا يكفي الاعتراف بالحق دون تحريه بالفعل، وقوله تعالى: ﴿لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق﴾ [الفتح/٢٧]، فهذا صدق بالفعل وهو التحقق، أي: حقق رؤيته، وعلى ذلك قوله: ﴿والذي جاء بالصدق وصدق به﴾ [الزمر/٣٣]، أي: حقق ما أورده قولا بما تحراه فعلا، ويعبر عن كل فعل فاضل ظاهرا وباطنا بالصدق، فيضاف إليه ذلك الفعل الذي يوسف به نحو قوله: ﴿في مقعد صدق عند مليك مقتدر﴾ [القمر/٥٥]، وعلى هذا: ﴿أن لهم قدم صدق عند ربهم﴾ [يونس/٢]، وقوله: ﴿أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق﴾ [الإسراء/٨٠]، ﴿واجعل لي لسان صدق في الآخرين﴾ [الشعراء/٨٤]، فإن ذلك سؤال أن يجعله الله تعالى صالحا، بحيث إذا أثنى عليه من بعده لم يكن ذلك الثناء كذبا بل يكون كما قال الشاعر:
*إذا نحن أثنينا عليك بصالح * فأنت الذي نثني وفوق الذي نثني*
(البيت لأبي نواس، وبعده: