وقال الأوزاعي : أقله مرحلة، وقال أبو حنيفة وأصحابه : ثلاثة أيام ﴿وعلى الذين يطيقونه﴾ أي : إن أفطروا ﴿فدية﴾ هي ﴿طعام مسكين﴾ أي : قدر ما يأكله في يوم وهو مدّ على الأصح من غالب قوت بلده وقال بعضهم : نصف صاع من القمح أو صاع من غيره وقال بعضهم : ما كان المفطر يتقوّته يومه الذي أفطره وقال ابن عباس : يعطي كل مسكين عشاءه وسحوره.
واختلف العلماء في تأويل هذه الآية وحكمها، فذهب أكثرهم إلى أنها منسوخة وهو قول ابن عمر وسلمة بن الأكوع وغيرهما وذلك أنهم كانوا في صدر الإسلام مخيرين بين أن يصوموا وبين أن يفطروا ويفدوا وإنما خيرهم الله تعالى ؛ لأنهم كانوا لم يتعوّدوا الصيام ثم نسخ التخيير ونزلت العزيمة بقوله تعالى :﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ قال ابن عباس : إلا الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على الولد، فإنها باقية بلا نسخ في حقهما، وذهب جماعة منهم إلى أن لفظة لا مقدّرة في الآية أي : وعلى الذين لا يطيقونه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فدية وهو قول سعيد بن جبير وجعل الآية محكمة، وقرأ نافع وابن ذكوان بغير تنوين في فدية وخفض الميم من طعام والباقون بتنوين فدية ورفع الميم من طعام، وقرأ نافع وابن عامر مساكين بفتح الميم والسين وألف بعد السين وفتح النون، والباقون بكسر الميم وسكون السين ولا ألف بعدها وكسر النون منونة ﴿فمن تطوّع خيراً﴾ بالزيادة على القدر المذكور في الفدية ﴿فهو﴾ أي : التطوع ﴿خير له﴾ فيثيبكم الله عليه ﴿وأن تصوموا﴾ أي : أيها المطيقون مبتدأ خبره ﴿خير لكم﴾ أي : من الإفطار والفدية ﴿إن كنتم تعلمون﴾ أي : ما في الصوم من الفضيلة وبراءة الذمّة وجواب : إن كنتم محذوف دلّ عليه خير لكم أي : فالصوم خير لكم وقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٣٥
﴿شهر رمضان﴾ مبتدأ خبره ما بعده أو بدل من الصيام في قوله :﴿كتب عليكم الصيام﴾ بدل اشتمال أو بدل كل من كل إن قدر مضاف أو خبر مبتدأ محذوف تقديره ذلكم شهر رمضان أو الشهر من الشهور ورمضان مصدر رمض إذا أحرق فأضيف إليه الشهر وجعل علماً ومنع من الصرف للعلمية والألف والنون.
فإن قيل : إذا كانت التسمية واقعة مع المضاف والمضاف إليه جميعاً فما وجه ما جاء في
١٣٧
الأحاديث من نحو قوله ﷺ "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه" وقوله ﷺ "بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له" أجيب : بأنّ ذلك على حذف المضاف لا من اللبس قال التفتازاني : وجاز الحذف من الاعلام وإن كان من قبيل حذف بعض الكلمة ؛ لأنهم أجروا مثل هذا العلم مجرى المضاف والمضاف إليه حيث أعربوا الجزأين وإنما سماه العرب بذلك إمّا لارتماضهم فيه من حر الجوع والعطش، وإمّا لارتماض الذنوب فيه. وقيل : لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام رمضان الحر قال أئمة اللغة : كان أسماء الشهور في اللغة القديمة : مؤتمر ناجر خوان وبصان حنين ورنه الأصم وعل ناتق عادل هواع يراك فغيرت إلى محرّم صفر ربيع الأوّل ربيع الثاني جمادى الأول جمادى الثانية رجب شعبان رمضان شوّال ذي القعدة ذي الحجة على الترتيب وسمي المحرم لتحريم القتال فيه وصفر لخلو مكة عن أهلها إلى الحروب، والربيعان لارتباع الناس فيهما أي : إقامتهم وجماديان لجمود الماء فيهما ورجب لترجيب العرب إياه أي : تعظيمهم له وشعبان لتشعب القبائل فيه، ورمضان لرمض الفصال فيه، وشوّال لشول أذناب اللواقح فيه، وذو القعدة للقعود فيه عن الحرب، وذو الحجة لحجهم فيه ﴿الذي أنزل فيه القرآن﴾ جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر ثم تنزل منجماً إلى الأرض وقيل : ابتدىء فيه إنزاله وكان ذلك ليلة القدر وقيل : أنزل في شأنه القرآن وهو قوله تعالى :﴿كتب عليكم الصيام﴾ وعن النبيّ ﷺ "نزلت صحف إبراهيم أوّل ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين والإنجيل لثلاث عشرة والقرآن لأربع وعشرين" رواه الإمام أحمد وغيره.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٣٧
تنبيه : قال ابن عادل : يروى أنّ جبريل عليه السلام نزل على آدم اثنتي عشرة مرّة، وعلى إدريس أربع مرّات، وعلى إبراهيم اثنين وأربعين مرّة، وعلى نوح خمسين مرّة، وعلى موسى أربعمائة مرّة، وعلى عيسى عشر مرّات، وعلى محمد ﷺ أربعة وعشرين ألف مرّة، وقرأ ابن كثير القرآن بنقل حركة الهمزة إلى الراء وتصير الراء مفتوحة وألف بعدها في المعرف والمنكر حيث جاء وكذا يقرأ حمزة في الوقف وقوله تعالى :﴿هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان﴾ حالان من القرآن أي : أنزل وهو هداية للناس لإعجازه من الضلالة إلى الحق وهو آيات واضحات مما يهدي إلى الحق ويفرق بينه وبين الباطل مما فيه من الحكم والأحكام.