تراض} أي : اتفاق ﴿منهما وتشاور﴾ بينهما فتظهر مصلحة الولد فيه ﴿فلا جناح عليهما﴾ في ذلك، زاد على الحولين أو نقص، وهذه توسعة بعد التحديد، وإنما اعتبر تراضيهما مراعاة لصلاح الولد، حذراً أن يقدم أحدهما على ما يضرّ به لغرض أو غيره ﴿وإن أردتم﴾ خطاب للأولياء ﴿أن تسترضعوا﴾ مراضع غير الوالدات ﴿أولادكم﴾ يقال : أرضعت المرأة الطفل واسترضعتها إياه، فحذف المفعول الأوّل للاستغناء عنه كما يقال : استنجحت الحاجة، ولا تذكر من استنجحته وكذلك حكم كل مفعولين يكون أحدهما عبارة عن الأوّل، هذا ما جرى عليه الزمخشريّ، من أن استرضع يتعدّى لمفعولين بنفسه، والجمهور على أنه إنما يتعدّى إلى الثاني بحرف الجرّ، وتقديره هنا لأولادكم ﴿فلا جناح عليكم﴾ في ذلك ﴿إذا سلمتم﴾ إليهن ﴿ما آتيتم﴾ أي : أردتم إيتاءه لهن من الأجرة، كقوله تعالى :﴿إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم﴾ (المائدة، ٦) وإنما قدّر ذلك ؛ لأنّ ما تحقق إيتاؤه لا يتصوّر تسليمه في المستقبل، وقوله تعالى :﴿بالمعروف﴾ صلة سلمتم أي : بالوجه المتعارف المستحسن شرعاً، وجواب الشرط محذوف، دل عليه ما قبله، وليس اشتراط التسليم لجواز الاسترضاع بل لسلوك ما هو الأولى والأصلح للطفل. وقرأ ابن كثير بقصر همزة أتيتم، من أتى إليه إحساناً إذا فعله ومنه قوله تعالى :﴿إنه كان وعده مأتياً﴾ (مريم، ٦١) أي : مفعولاً والباقون بالمد وهم على مراتبهم، وقوله تعالى :﴿واتقوا الله﴾ مبالغة في المحافظة على ما شرع في أمر الأطفال والمراضع ثم حثهم على ذلك وهدّدهم بقوله تعالى :﴿واعلموا أنّ الله بما تعملون بصير﴾ لا يخفى عليه شيء منه.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٧٥
والذين يُتوفَّون﴾ أي : يموتون ﴿منكم ويذرون﴾ أي : يتركون ﴿أزواجاً يتربصن﴾ أي : ينتظرن ﴿بأنفسهنّ﴾ وهو خبر بمعنى الأمر، وهو أمر إيجاب أي : يجب عليهن أن يتربصن بعدهم عن النكاح ﴿أربعة أشهر وعشراً﴾ أي : عشرة أيام وكان القياس تذكير العدد بأن يؤتى فيه بالثاء ولكن لما حذف المعدود جاز فيه ذلك كما في قوله تعالى :﴿إن لبثتم إلا عشراً﴾ (طه، ١٠٣) ثم ﴿إن لبثتم إلا يوماً﴾ (طه، ١٠٤) لأنّ قوله في سورة طه :﴿إن لبثتم إلا يوماً﴾ بعد قوله :﴿إن لبثتم إلا عشراً﴾ يدل على أنّ المراد بالعشر الأيام وإن ذكر بما يدل على الليالي، لأنهم اختلفوا في مدّة اللبث، فقال بعضهم : عشر وبعضهم يوم فدل على أنّ المقابل باليوم إنما هو أيام الليالي، وكما في قوله ﷺ "من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوّال". قال البيضاويّ : ولعلّ المقتضي لهذا التقدير أي : بهذه المدّة أنّ الجنين في غالب الأمر يتحرّك لثلاثة أشهر إن كان ذكراً، ولأربعة إن كان أنثى، فاعتبر أقصى الأجلين وزيد عليه العشر استظهاراً، إذ ربما تضعف حركته في المبادي، فلا يحسن بها أي بالحركة اه. وهذا في غير الحوامل أمّا هن فعدّتهن أن يضعن حملهن بآية الطلاق، وفي غير الإماء فإنهن على النصف من ذلك بالسنة. وعن علي وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أنّ الحامل تعتدّ بأقصى الأجلين احتياطاً.
وحكي عن أبي الأسود الدؤلي أنه كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل : من المتوفِّى ؟
بكسر الفاء فقال الله : وكان أحد الأسباب الباعثة لعلي رضي الله تعالى عنه على أن أمره أن يضع كتاباً في النحو، لكن يجوز الكسر على معنى أنه مستوف أجله، ويدل له قوله تعالى :﴿والذين يتوفون﴾ بفتح الياء على قراءة شاذة نقلت عن علي، أي : يستوفون آجالهم.
١٧٦
﴿فإذا بلغن أجلهن﴾ أي : انقضت عدّتهن ﴿فلا جناح﴾ أي : لا حرج ﴿عليكم﴾ أيها الأولياء ﴿فيما فعلن في أنفسهن﴾ أي : من التعرّض للخطاب وسائر ما حرم عليهن للعدّة دون العقد، فإنّ العقد إلى الولي وقيل : المخاطب بذلك الأئمة أو المسلمون جميعاً.
﴿بالمعروف﴾ أي : بالوجه الذي لا ينكره الشرع ومفهومه أنهن لو فعلن ما ينكر فعلى المخاطب أن يكفهن، فإن قصر فعليه الجناح ﴿وا بما تعملون خبير﴾ عالم بباطنه كظاهره فيجازيكم عليه.
﴿ولا جناح﴾ أي : لا حرج ﴿عليكم فيما عرضتم به﴾ والتعريض في الكلام ما يفهم منه السامع مراده بما لم يوضع له حقية ولا مجازاً كقول السائل : جئتك لأسلّم عليك ولأنظر إلى وجهك الكريم ولذلك قالوا :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٧٥
وجئتك بالتسليم مني تقاضيا*