وروى البيهقيّ في "شعبه" أنه ﷺ قال :"لا يواظب عليها إلا صديق أو عابد"، وروي البيهقي أيضاً "أنّ من قرأها إذا أخذ مضجعه أمنه الله على نفسه، وجاره وجار جاره والأبيات حوله". وعن أبيّ بن كعب أنّ النبيّ ﷺ سأله :"أيّ آية من كتاب الله أعظم ؟
" قال : قلت الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم، قال : فضرب في صدري ثم قال :"ليهنك العلم أبا المنذر، والذي نفسي بيده إنّ لها لساناً وشفتين تقدّس الملك عند ساق العرش" وعن أبي هريرة أنه ﷺ قال :"من قرأ حين يصبح آية الكرسي وآيتين من أوّل حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم حفظ في يومه ذلك حتى يمسي فإن قرأهما حين يمسي حفظ في ليلته تلك حتى يصبح". وروي :"ما قرئت آية الكرسي في دار إلا هجرتها الشياطين ثلاثين يوماً ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة، يا علي علّمْها ولدك وأهلك وجيرانك، فما نزلت آية أعظم منها" وتذاكر الصحابة أفضل ما في القرآن فقال لهم عليّ رضي الله تعالى عنه : أين أنتم عن آية الكرسي ثم قال : قال لي رسول الله ﷺ "يا عليّ سيد البشر آدم، وسيد العرب محمد ولا فخر، وسيد الفرس سلمان وسيد الروم صهيب، وسيد الحبشة بلال وسيد الجبال، الطور وسيد الأيام يوم الجمعة، وسيد الكلام القرآن، وسيد القرآن البقرة وسيد البقرة، آية الكرسي".
﴿لا إكراه في الدين﴾ أي : على الدخول فيه أي : فمن أعطي الجزية لم يكره على الإسلام فهو عام مخصوص بأهل الكتاب.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٩١
لما روي أنّ أنصارياً كان له ابنان تنصرا قبل المبعث ثم قدما المدينة فلزمهما أبوهما وقال : والله لا أدعكما حتى تسلما فأبيا، فاختصموا إلى رسول الله ﷺ فقال الأنصاري : يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر ؟
فنزلت وقيل : عام منسوخ، فكان هذا في الابتداء قبل أن يؤمر بالقتال فصارت الآية منسوخة بآية السيف، قاله ابن مسعود :﴿قد تبين الرشد من الغيّ﴾ أي : ظهر
١٩٥
بالآيات البينات أنّ الإيمان رشد يوصل إلى السعادة الأبدية، وأنّ الكفر غيّ يؤدّي إلى الشقاوة السرمدية، والعاقل متى تبين له ذلك بادرت نفسه إلى الإيمان، طلباً للفوز بالسعادة والنجاة، فلم يحتج إلى الإكراه والإلجاء ﴿فمن يكفر بالطاغوت﴾ أي : فمن اختار الكفر بالشيطان أو الأصنام ﴿ويؤمن با﴾ أي : بالتوحيد وتصديق الرسل ﴿فقد استمسك بالعروة الوثقى﴾ أي : تمسك واعتصم بالعقد الوثيق المحكم في الدين ﴿لا انفصام﴾ أي : لا انقطاع ﴿لها﴾.
قال التفتازاني : شبه التديّن بالدين الحق، والثبات على الهدى والإيمان بالتمسك بالعروة الوثقى المأخوذة من الحبل المحكم المأمون تقطعها، ثم ذكر المشبه به وأراد المشبه وقال الزمخشريّ : وهذا تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس، حتى يتصوّره السامع كأنه ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده والتيقن به اه.
والوثقى تأنيث الأوثق، وقيل : العروة الوثقى السبب الذي يتوصل به إلى رضا الله تعالى ﴿وا سميع﴾ لما يقال :﴿عليم﴾ بالنيات والأفعال وقيل : سميع لدعائك إياهم إلى الإسلام عليم بحرصك على إيمانهم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٩١
أي : ناصر ومعين ﴿الذين آمنوا﴾ أي : أرادوا أن يؤمنوا لقوله تعالى :﴿يخرجهم﴾ أي : بلطفه وتأييده ﴿من الظلمات﴾ أي : الكفر ﴿إلى النور﴾ أي : الإيمان أو أنهم الثابتون على الإيمان بأن يخرجهم من الشبهة في الدين إن وقعت، لهم بما يهديهم ويوفقهم له من أجلها، حتى يخرجوا منها إلى نور اليقين. وعن ابن عباس : أنهم قوم كانوا كفروا بعيسى وآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم
﴿والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت﴾ أي : الشيطان وقال مقاتل : هو كعب بن الأشرف وحييّ بن أخطب وسائر رؤوس الضلالة ﴿يخرجونهم﴾ أي : يدعونهم ﴿من النور﴾ الذي منحوه بالفطرة ﴿إلى الظلمات﴾ أي : الكفر.
فإن قيل : كيف يخرجونهم من النور وهم كفار لم يكونوا في نور قط، أجيب : بأنّ الطبرانيّ روى عن ابن عباس أنها نزلت في قوم آمنوا بعيسى، فلما بعث محمد ﷺ كفروا به"، أو أنه تعالى ذكر الإخراج في مقابلة يخرجهم من الظلمات، فهو على العموم في حق جميع الكفار كما يقول الرجل لأبيه : أخرجتني من مالك ولم يكن فيه، كما قال تعالى إخباراً عن يوسف عليه الصلاة والسلام :﴿إني تركت ملة قوم لا يؤمنون با﴾ (يوسف، ٣٨) ولم يكن قط في ملتهم وقيل : نزلت في قوم ارتدّوا عن الإسلام، وإسناد الإخراج إلى الطاغوت باعتبار السبب لا يأبى تعلق قدرته تعالى وإرادته به، والطاغوت يكون مذكراً ومؤنثاً وواحداً وجمعاً، قال تعالى في المذكر : والواحد ﴿يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به﴾، (النساء، ٦٠) وقال تعالى في المؤنث ﴿والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها﴾ (الزمر، ١٧) وقال في الجمع :﴿يخرجونهم من النور إلى الظلمات﴾ (البقرة، ٢٥٧).