سورة آل عمران
مدنية باتفاق وآياتها مائتان أو إلا آية وثلاثة آلاف وأربعمائةوثمانون كلمة وأربعة عشر ألفاً وخمسمائة وعشرون حرفاً
﴿بسم الله﴾ الذي له صفات الكمال فاستحق التفرد بالألوهية ﴿الرحمن﴾ الذي سرت رحمته خلال الوجود فشملت كل موجود بالكرم والجود ﴿الرحيم﴾ لمن توكل عليه بالعطف إليه وقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٢٢
﴿ألم﴾ تقدّم الكلام عليه في أوّل سورة البقرة.
﴿الله لا إله إلا هو﴾ لم يقطع أحد من القراء السبعة هذه الهمزة التي في الله في الوصل، وإذا
٢٢٣
وقف على ألم يبدأ بالهمزة، ولكل من القراء مدّ على الميم ووصل في الوصل وإنما فتح الميم لالتقاء الساكنين كما هو مذهب سيبويه وجمهور النحاة.
فإن قيل : أصل التقاء الساكنين الكسر فلم عدل عنه ؟
أجيب : بأنهم لو كسروا لكان ذلك مفضياً إلى ترقيق لام الجلالة والمقصود تفخيمها للتعظيم فأوثر الفتح لذلك كما حركوها في نحو من الله، وأيضاً فقبل الميم ياء وهي أخت الكسرة وقبل هذه الياء كسرة، فلو كسرنا الميم الأخيرة لالتقاء الساكنين لتوالى ثلاث متجانسات فحركوها بالفتح، وأمّا سقوط الهمزة فواضح وبسقوطها التقى الساكنان وقيل : إنّ هذه الفتحة ليست لالتقاء الساكنين بل هي حركة نقل أي : نقلت حركة الهمزة التي قبل لام التعريف على الميم الساكنة نحو ﴿قد أفلح﴾ في قراءة ورش وهذا مذهب الفرّاء وجرى عليه الزمخشريّ وأطال الكلام فيه ورده أبو حيان بما يطول ذكره وقوله تعالى ﴿ا﴾ مبتدأ وما بعده خبره وقوله تعالى :﴿الحيّ القيوم﴾ نعت له والحيّ هو الفعال الدراك والقيوم هو القائم بذاته والقائم بتدبير خلقه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٢٣
روي أنه ﷺ قال :"إن اسم الله الأعظم في ثلاث سور في البقرة ﴿الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم﴾ (البقرة، ٢٥٥) وفي آل عمران ﴿الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم﴾ وفي طه ﴿وعنت الوجوه للحيّ القيوم﴾ (طه، ١١١) ونقل البندنيجي عن أكثر العلماء أن الإسم الأعظم هو الله قال الكلبي والربيع بن أنس وغيرهما : نزلت هذه الآية في وفد نصارى نجران وكانوا ستين راكباً قدموا على رسول الله ﷺ وفيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر يؤول إليهم أمرهم العاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه عبد المسيح والسيد صاحب رحلهم واسمه الأيهم وأبو حارثة بن علقمة حبرهم دخلوا مسجد رسول الله ﷺ حين صلى العصر عليهم ثياب الحبرات والحارث بن كعب يقول من ورائهم : ما رأينا وفداً مثلهم وقد حانت صلاتهم، فقاموا للصلاة في مسجد رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ "دعوهم يصلوا إلى المشرق" فكلم السيد والعاقب، فقال لهما رسول الله ﷺ "أسلما قالا قد أسلمنا قبلك قال : كذبتما يمنعكما من الإسلام ثلاثة أشياء دعاؤكما لله ولداً وعبادتكما للصليب وأكلكما الخنزير" قالوا : إن لم يكن عيسى ولد الله فمن أبوه وخاصموه جميعاً في عيسى، فقال لهم النبيّ ﷺ "ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه ؟
" قالوا : بلى قال :"ألستم تعلمون أنّ ربنا حيّ لا يموت وأنّ عيسى يأتي عليه الفناء ؟
" قالوا : بلى قال :"ألستم تعلمون أنّ ربنا قيم على كل شيء يحفظه ويرزقه ؟
" قالوا : بلى قال :"فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً ؟
" قالوا : لا قال :"ألستم تعلمون أنّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ؟
" قالوا : بلى قال :"فهل يعلم عيسى من ذلك إلا ما علمه الله ؟
" قالوا : لا قال :"فإنّ ربنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء وربنا لا يأكل ولا يشرب" قالوا : بلى قال :"ألستم تعلمون أنّ عيسى حملته أمّه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ثم غذي كما يغذى الصبيّ، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث" قالوا : بلى قال :"وكيف يكون هذا كما زعمتم ؟
" فسكتوا فأنزل الله تعالى صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها".
﴿نزل عليك﴾ يا محمد ﴿الكتاب﴾ أي : القرآن متلبساً ﴿بالحق﴾ أي : بالصدق في أخباره أو
٢٢٤
بالحجج المحققة أنه من عند الله وهو في موضع الحال أي : محقاً ﴿مصدّقاً لما بين يديه﴾ أي : قبله من الكتب.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٢٣
فإن قيل : كيف سمي ما مضى بأنه بين يديه ؟
أجيب : بأن تلك الأخبار لغاية ظهورها وكونها موجودة سماها بهذا الاسم ﴿وأنزل التوراة﴾ جملة على موسى عليه الصلاة والسلام ﴿والإنجيل﴾ جملة على عيسى عليه الصلاة والسلام.