﴿قل اللهمّ﴾ أي : يا الله والميم عوض عن ياء النداء ولذلك لا يجتمعان، والتعويض من خصائص هذا الإسم كما اختص بدخولها عليه مع لام التعريف وقطع همزته وكما اختص بدخول تا القسم عليه وأمّا قولهم : ترب الكعبة فنادر ﴿مالك الملك﴾ أي : مالك العباد وما ملكوا قال الله تعالى في بعض الكتب المنزلة : أنا الله ملك الملوك ومالك الملوك، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي، فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة، وإن عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إليّ أعطفهم عليكم. وهذا معنى قوله ﷺ "كما تكونوا يولى عليكم"
٢٣٧
﴿تؤتي﴾ أي : تعطي ﴿الملك﴾ أي : في الدنيا ﴿من تشاء﴾ من خلقك ﴿وتنزع الملك ممن تشاء﴾ منهم، وقيل : المراد بالملك النبوّة ونزعها نقلها من قوم إلى قوم، وقال الكلبيّ : تؤتي الملك لمحمد وأصحابه وتنزعه من أبي جهل وصناديد قريش، وقيل : تؤتيه لآدم وذرّيته وتنزعه من إبليس وجنوده ﴿وتعز من تشاء﴾ من خلقك، وقيل : محمداً وأصحابه حتى دخلوا مكة في عشرة آلاف ظاهرين عليها ﴿وتذل من تشاء﴾ منهم وقيل : أبا جهل وأصحابه حزت رؤوسهم وألقوا في القليب، وقيل : تعز من تشاء بالطاعة وتذل من تشاء بالمعصية، وقيل : تعز من تشاء بالقناعة وتذل من تشاء بالحرص والطمع، وقيل : تعز من تشاء بالتهجد وتذل من تشاء بتركه ﴿بيدك﴾ أي : بقدرتك ﴿الخير﴾ أي : والشر، واقتصر على الأوّل لمسارعة الأدب في الخطاب أو اكتفى بذكر أحد المقابلين كما في قوله تعالى :﴿سرابيل تقيكم الحرّ﴾ (النحل، ٨١) أي : والبرد أو ؛ لأن الكلام وقع فيه إذ روى البيهقيّ وغيره :"أنه ﷺ لما خط الخندق وقطع لكل عشر أربعين ذراعاً وأخذوا يحفرون فظهر فيه صخرة عظيمة لم تعمل فيها المعاول فوجهوا سلمان إلى رسول الله ﷺ يخبره فجاء وأخذ المعول منه فضربها ضربة فصدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لا بتيها ـ أي : المدينة ـ فكأنّ بها مصباحاً جاء في جوف بيت مظلم فكبر وكبر المسلمون وقال : أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب ـ أي : في بياضها وصفرتها وانضمام بعضها إلى بعض، واللابتان حرّتان يكتنفانها والحرّة كل أرض ذات حجارة سوداء كأنها محترقة من الحرّ ثم ضرب الثانية فقال : أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضرب الثالثة فقال : أضاءت لي قصور صنعاء وأخبرني جبريل أنّ أمّتي ظاهرة على كلها أي : الأراضي التي أضاءت ـ فأبشروا، فقال المنافقون : ألا تعجبون يمنيكم أيها المؤمنون ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب ـ أي : المدينة ـ قصور الحيرة وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق ـ أي : الخوف ـ فنزلت". ونبه أيضاً على أن الشرّ بيده بقوله :﴿إنك على كل شيء قدير﴾ والشرّ شيء ثم عقب ذلك ببيان قدرته على تعاقب الليل والنهار والموت والحياة وسعة فضله فقال :
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٣٦
تولج﴾
أي : تدخل ﴿الليل في النهار﴾ حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات ﴿وتولج﴾ أي : تدخل ﴿النهار في الليل﴾ حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة، والنهار تسع ساعات فيزيد كل منهما بما نقص من الآخر ﴿وتخرج الحيّ من الميت﴾ كالإنسان من النطفة والطائر من البيضة ﴿وتخرج الميت من الحيّ﴾ كالنطفة من الإنسان والبيضة من الطائر، وقال الحسن وعطاء : تخرج المؤمن من الكافر، وتخرج الكافر من المؤمن فالمؤمن حيّ الفؤاد والكافر ميت الفؤاد قال الله تعالى :﴿أومن كان ميتاً فأحييناه﴾ (الأنعام، ١٢٢) وقال الزجاج : تخرج النبات الغض الطريّ من الحب اليابس وتخرج الحب اليابس من النبات الحيّ النامي، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وشعبة :﴿الميت﴾ بسكون الياء والباقون بكسر الياء مشدّدة.
﴿وترزق من تشاء بغير حساب﴾ أي : رزقاً واسعاً. عن عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله ﷺ "إنّ فاتحة الكتاب وآية الكرسي والآيتين من آل عمران شهد الله إلى قوله :﴿إنّ الدين عند الله الإسلام﴾، ﴿وقل اللهمّ مالك الملك﴾ إلى قوله ﴿بغير حساب﴾ معلقات ما بينهنّ وبين الله عز وجل حجاب قلن يا رب تهبطنا إلى أرضك وإلى من يعصيك ؟
قال الله عز
٢٣٨
وجل بي حلفت لا يقرأكنّ أحد دبر كل صلاة إلا جعلت الجنة مثواه على ما كان فيه ولأسكننه حظيرة قدسي ولأنظرن إليه بعيني المكنونة كل يوم سبعين مرّة ولأقضينّ له كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة ولأعيذنه من كل عدوّ وحاسد ولأنصرنه منه".


الصفحة التالية
Icon