أي : أهل الكتاب ﴿لفريقاً﴾ أي : طائفة ككعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحيي بن أخطب ﴿يلوون ألسنتهم بالكتاب﴾ أي : يقتلونها بقراءته عن المنزل إلى ما حرفوه من نعت النبيّ ﷺ وآية الرجم وغير ذلك يقال : لوى لسانه عن كذا أي : غيره ﴿لتحسبوه﴾ أي : المحرف المدلول عليه بقوله تعالى :﴿يلوون﴾ ﴿من الكتاب﴾الذي أنزل الله ﴿وما هو من الكتاب﴾ قرأ ابن عامر وعاصم بفتح السين والباقون بكسرها، وقوله تعالى :﴿ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله﴾ تأكيد لقوله ﴿وما هو من الكتاب﴾ وزيادة تشنيع عليهم به وبيان لأنهم يزعمون ذلك تصريحاً لا تعريضاً أي : ليس هو نازلاً من عنده.
فإن قيل : نفى الله تعالى كون التحريف من عنده وهو فعل العبد فلا يكون فعل العبد مخلوقاً لله تعالى وإلا لما صح نفيه عنه تعالى أجيب : بأنّ المنفي هو الإنزال كما تقرّر ولا كون التحريف غير مخلوق لله تعالى بكسب العبد وقوله تعالى :﴿ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون﴾ تأكيد أيضاً وتسجيل عليهم بالكذب والتعمد فيه واختلف في سبب نزول قوله تعالى :
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٦٠
ما كان﴾ أي : ما ينبغي ﴿لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم﴾ أي : الفهم للشريعة ﴿والنبوّة﴾ أي : المنزلة الرفيعة بالإنباء ﴿ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله﴾ فقال مقاتل والضحاك : نزلت في نصارى نجران كانوا يقولون : إن عيسى أمرهم أن يتخذوه رباً فقال تعالى :﴿ما كان لبشر﴾ أي : عيسى ﴿أن يؤتيه الله الكتاب﴾ أي : الإنجيل، وقال ابن عباس وعطاء : ما كان لبشر أي : محمد أن يؤتيه الله الكتاب أي : القرآن وذلك "أن أبا رافع القرظي من اليهود والسيد من نصارى نجران قالا لرسول الله ﷺ أتريد أن نعبدك ونتخذك رباً ؟
فقال :"معاذ الله أن نأمر بعبادة غير الله ما بذلك بعثني الله ولا بذلك أمرني" فنزلت.
٢٦١
وقيل :"قال رجل : يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك ؟
قال :"ما ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله" والبشر جميع بني آدم لا واحد له من لفظه كالقوم ويوضع موضع الجمع والواحد ﴿ولكن﴾ يقول :﴿كونوا ربانيين﴾ أي : علماء عاملين منسوب إلى الرب بزيادة ألف ونون تفخيماً كما يقال رقباني ولحياني وهو الشديد التمسك بدين الله تعالى وطاعته، وقيل : الرباني هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، وقيل : الربانيون فوق الأحبار والأحبار العلماء والربانيون الذين جمعوا مع العلم البصارة لسياسة الناس. وعن الحسن : ربانيين علماء فقهاء، وحكي عن عليّ رضي الله تعالى عنه أنه قال : هو الذي يربي علمه بعمله. وقال محمد بن الحنفية : يوم مات ابن عباس رضي الله تعالى عنهم : اليوم مات رباني هذه الأمّة ﴿بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون﴾ أي : بسبب كونكم تعلمون الكتاب وبسبب كونكم دارسين له، فإنّ فائدة التعليم والتعلم معرفة الحق والخير للاعتقاد والعمل فيكتفي بذلك دليلاً على خيبة سعي من جهد نفسه وكدّ روحه في جميع العلم ثم لم يجعله ذريعة إلى العمل، فكان مثله كمثل من غرس شجرة حسناء تونقه بمنظرها ولا تنفعه بثمرها ويجوز أن يكون معناه : تدرسونه على الناس كقوله تعالى :﴿لتقرأه على الناس﴾ وفيه أنّ من علم ودرس العلم ولم يعمل، فليس من الله في شيء وأنّ السبب بينه وبين الله تعالى منقطع حيث لم يثبت النسبة إليه إلا للمتمسكين بطاعته. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح التاء وسكون العين وفتح اللام مخففة، والباقون بضمّ التاء وفتح العين وكسر اللام مشدّدة.
﴿ولا يأمركم﴾ قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بنصب الراء عطفاً على يقول أي : البشرط والباقون برفع الراء على أنه استئناف أي : الله ﴿أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً﴾ كما اتخذت الصابئة الملائكة واليهود عزيراً والنصارى عيسى وقوله تعالى :﴿أيأمركم بالكفر﴾ إنكار والضمير فيه للبشر أو لله على الوجهين السابقين وقوله تعالى :﴿بعد إذ أنتم مسلمون﴾ دليل على أنّ الخطاب للمسلمين وهم المستأذنون على أن يسجدوا له.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٦٠
و﴾ اذكر ﴿إذ﴾ أي : حين ﴿أخذ الله ميثاق النبيين﴾ أي : عهدهم ﴿لما آتيتكم من كتاب وحكمة﴾.