ـ أي : بالعين المهملة وهي جانبه ـ وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وسوى صفوفهم وأجلس خمسين من الرماة وأمّر عليهم عبد الله بن جبير بسفح الجبل وقال : انضحوا علينا بالنبل لا يأتون من ورائنا ولا تبرحوا غلبنا أو نصرنا".
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧٧
﴿إذ﴾ بدل من إذ قبله ﴿همت طائفتان منكم﴾ بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس وهما جناحا العسكر ﴿أن تفشلا﴾ أي : تجبنا عن القتال وترجعا.
روي "أنه ﷺ خرج في زهاء ألف رجل ووعدهم النصر إن صبروا وكان المشركون ثلاثة آلاف فلما بلغوا عند جبل أحد بالمدينة انعزل ابن أبيّ المنافق في ثلاثمائة وقال : علام نقتل أنفسنا وأولادنا ؟
فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاري وقال : أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم فقال ابن أبيّ : لو نعلم قتالاً لاتبعناكم فهمّ الحيان باتباعه فثبتهم الله ومضوا مع رسول الله ﷺ قال الزمخشريّ : إنها ما كانت إلا همة وحديث نفس وكما لا تخلو النفس عند الشدّة من بعض الهلع ثم يردّها صاحبها إلى الثبات والصبر ويوطنها على احتمال المكروه كما قال عمرو بن الإطنابة :
*أقول لها إذا جشأت وجاشت ** مكانك تحمدي أو تستريحي*
٢٨٠
﴿وا وليهما﴾ أي : ناصرهما فما لهما تفشلان ﴿وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾ أي : ليثقوا به دون غيره فينصرهم كما نصرهم ببدر، ونزل لما هزموا من أحد تذكرة لهم بنعمة الله تعالى.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٨٠
ولقد نصركم الله ببدر﴾ وهو ماء بين مكة والمدينة كان لرجل يسمى بدراً فسمي به وقوله تعالى :﴿وأنتم أذلة﴾ أي : بقلة العدد والسلاح والمال حال من الضمير.
فإن قيل : قال الله تعالى :﴿وأنتم أذلة﴾ وقد قال تعالى :﴿و العزة ولرسوله وللمؤمنين﴾ أجيب : بأنه بمعنى القلة وضعف الحال وقلة السلاح والمال كما مرّ فإن نقيض ذلك العز وهو القوّة والغلبة.
روي أنّ المسلمين كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ولم يكن فيهم إلا فرس واحد وأكثرهم كانوا رجالة وربما كان الجمع منهم يركبون جملاً واحداً والكفار كانوا قريباً من ألف مقاتل ومعهم مائة فرس مع الأسلحة الكثيرة والعدّة الكاملة ﴿فاتقوا الله﴾ في الثبات وعدم المخالفة ﴿لعلكم تشكرون﴾ أي : بتقواكم نعمه التي أنعم بها عليكم من نصرته وقوله تعالى :
﴿إذ تقول للمؤمنين﴾ أي : توعدهم تطميناً ظرف لنصركم وقوله تعالى :﴿ألن يكفيكم أن يمدّكم﴾ أي : يعينكم ﴿ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين﴾ إنكار أن لا يكفيهم ذلك وإنما جيء بلن إشعاراً بأنهم كانوا كالآيسين من النصر لضعفهم وقلتهم وقوّة العدوّ وكثرتهم. وقرأ ابن عامر بفتح النون وتشديد الزاي، والباقون بسكون النون وتخفيف الزاي وقوله تعالى :
﴿بلى﴾ إيجاب لما بعد لن أي : بلى يكفيكم.
فإن قيل : قد قال تعالى في سورة الأنفال :﴿إني ممدّكم بألف من الملائكة مردفين﴾ فكيف قال هنا بثلاثة آلاف ؟
أجيب : بأنه مدهم أولاً بألف ثم صارت ثلاثة ثم صارت خمسة كما قال تعالى :﴿إن تصبروا﴾ أي : على لقاء العدوّ ﴿وتتقوا﴾ الله في المخالفة ﴿ويأتوكم﴾ أي : المشركون ﴿من فورهم﴾ أي : من وقتهم ﴿هذا﴾ والفور العجلة والسرعة ومنه فارت القدر اشتدّ غليانها وسارع ما فيها إلى الخروج ﴿يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين﴾ أي : معلمين وقد صبروا واتقوا وأنجز الله وعده بأن قاتل معهم الملائكة على خيل يلف عليهم عمائم صفر أو بيض أرسلوها بين أكتافهم، وعن عرفة بن الزبير : كانت عمامة الزبير يوم بدر صفراء فنزلت الملائكة كذلك، وعن الضحاك معلمين بالصوف الأبيض في نواصي الدواب وأذنابها، وعن مجاهد مجزوزة أذناب خيلهم. قال أكثر المفسرين : إن الملائكة لم تقاتل في غير يوم بدر.
روي أنه ﷺ قال لأصحابه :"تسوموا فإنّ الملائكة قد تسوّمت بالصوف الأبيض في قلانسهم ومغافرهم" وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بكسر الواو والباقون بفتحها.
﴿وما جعله الله﴾ أي : الإمداد﴿إلا بشرى﴾ أي : بشارة ﴿لكم﴾ أي : بالنصر ﴿ولتطمئن﴾ أي : ولتسكن ﴿قلوبكم به﴾ فلا تجزعوا من كثرة عدوّكم وقلة عددكم كما كانت السكينة لبني إسرائيل بشارة بالنصر وطمأنينة لقلوبهم ﴿وما النصر إلا من عند الله﴾ لا من العدّة والعدد وهو تنبيه على أنه لا حاجة في نصرهم إلى مدد الملائكة وإنما أمدّهم ووعدهم به بشارة لهم وربطاً على
٢٨١
قلوبهم من حيث إن نظر العامة إلى الأسباب أكثر ﴿العزيز﴾ الذي لا يغالب ﴿الحكيم﴾ الذي ينصر ويخذل من يشاء بوسط وبغير وسط على مقتضى الحكمة والمصلحة وقوله تعالى :
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٨٠
ليقطع﴾ متعلق بنصركم أي : ليهلك ﴿طرفاً﴾ أي : طائفة ﴿من الذين كفروا﴾ بالقتل والأسر وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من رؤساء قريش وصناديدهم ﴿أو يكبتهم﴾ أي : لم ينالوا ما راموه وأو للتنويع لا للترديد.