قولاً معروفاً} وهو أن يدعوا لهم ويستقلوا ما أعطوهم ولا يمنوا عليهم. وعن الحسن والنخعي : أدركنا الناس وهم يقسمون على القرابات والمساكين واليتامى من العين يعنيان الذهب والورق فإذا قسم الذهب والورق وصارت القسمة إلى الأقربين والرقيق وما أشبه ذلك قالوا لهم قولاً معروفاً كأن يقولون : بورك فيكم.
﴿وليخش﴾ أي : وليخف على اليتامى ﴿الذين لو تركوا﴾ أي : قاربوا أن يتركوا ﴿من خلفهم﴾ أي : بعد موتهم ﴿ذرّية ضعافاً﴾ أي : أولاداً صغاراً ﴿خافوا عليهم﴾ أي : الضياع ﴿فليتقوا الله﴾ في أمر اليتامى وغيرهم، وليأتوا إليهم ما يحبون أن يفعل بذريتهم من بعدهم ﴿وليقولوا﴾ أي : للمريض ﴿قولاً سديداً﴾ أي : عدلاً وصواباً بأن يأمروه أن يتصدّق بدون ثلثه، ويترك الباقي لورثته، ولا يتركهم عالة، وذلك أنه كان إذا حضر أحدهم الموت يقول له من بحضرته : انظر لنفسك فإنّ أولادك وورثتك لا يغنون عنك شيئاً قدّم لنفسك أعتق وتصدّق وأعط فلاناً كذا وفلاناً كذا حتى يأتي على عامة ماله، فنهاهم الله عز وجل وأمرهم أن يأمروه أن ينظر لولده، ولا يزيد في وصيته على الثلث، ولا يجحف بورثته.
﴿إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً﴾ أي : بغير حق ﴿إنما يأكلون في بطونهم ناراً﴾ أي : ملء بطونهم يقال : أكل فلان في بطنه، وفي بعض بطنه. قال الشاعر :
*كلوا في بعض بطنكم تعفوا*
ومعنى يأكلون ناراً يأكلون ما يجرّ إلى النار، فكأنه نار في الحقيقة.
روي "أنه يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة والدخان يخرج من قبره ومن فيه وأنفه وأذنيه وعينيه فيعرف الناس أنه كان يأكل مال اليتيم في الدنيا".
وروي أنه ﷺ قال :"رأيت ليلة أسري بي قوماً لهم مشافر كمشافر الإبل إحداهما.... على منخريه والأخرى على بطنه وخزنة النار يلقمونهم جمر جهنم وصخرها فقلت : يا جبريل من هؤلاء ؟
قال : الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً". ﴿وسيصلون سعيراً﴾ أي : ناراً شديدة يحترقون فيها، وقرأ ابن عامر وشعبة بضم الياء والباقون بالفتح.
﴿يوصيكم الله﴾ أي : يأمركم ﴿في أولادكم﴾ أي : في شأن ميراثهم بما هو العدل والمصلحة، وهذا إجمال تفصيله ﴿للذكر﴾ منهم ﴿مثل حظ﴾ أي : نصيب ﴿الأنثيين﴾ إذا اجتمعتا معه فله نصف المال ولهما النصف، فإن كان معه واحدة فلها الثلث وله الثلثان وإنما فضل الذكر على الأنثى لاختصاصه بلزوم ما لا يلزم الأنثى من الجهاد وتحمل الدية وغيرهما، وله حاجتان : حاجة لنفسه وحاجة لزوجته، والأنثى حاجة واحدة لنفسها بل هي غالباً مستغنية بالتزويج عن الإنفاق من مالها، ولكن لما علم الله تعالى احتياجها إلى النفقة وأنّ الرغبة تقل فيها إذا لم يكن لها
٣٢٧
مال جعل لها حظاً من الإرث وأبطل حرمان الجاهلية لها.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢٦
فإن قيل : هلا قيل للأنثيين مثل حظ الذكر أو للأنثى نصف حظ الذكر ؟
أجيب : بأنه إنما بدأ ببيان حظ الذكر لفضله كما ضوعف حظه لذلك ؛ ولأنّ قوله ﴿للذكر مثل حظ الأنثيين﴾ قصد إلى بيان فضل الذكر وقولك : للأنثيين مثل حظ الذكر قصد إلى بيان نقص الأنثى وما كان قصداً إلى بيان فضله كان أدل على فضله من القصد إلى بيان نقص غيره عنه ؛ ولأنهم كانوا يورّثون الرجال دون النساء والصبيان، وكان في ابتداء الإسلام بالمحالفة قال تعالى :﴿والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم﴾ (النساء، ٣٣)
ثم صارت الوراثة بالهجرة قال الله تعالى :﴿والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء﴾ (الأنفال، ٧٢)
ثم نسخ ذلك كله بالآية الكريمة، واختلف في سبب نزولها، فعن جابر أنه قال :"جاء رسول الله ﷺ يعودني وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصب عليّ من وضوئه فعقلت فقلت : يا رسول الله لمن الميراث إنما يرثني كلالة" فنزلت، وقال مقاتل والكلبي : نزلت في أمّ كحة امرأة أوس بن ثابت وبناته. وقال عطاء : استشهد سعد بن الربيع النقيب يوم أحد، وترك امرأة وبنتين وأخاً، فأخذ الأخ المال، فأتت امرأة سعد إلى النبيّ ﷺ بابنتي سعد فقالت : يا رسول الله إنّ هاتين ابنتا سعد وإن سعداً قتل يوم أحد شهيداً وإن عمهما أخذ مالهما، ولا ينكحان إلا ولهما مال فقال ﷺ "ارجعي فلعل الله سيقضي في ذلك" فنزلت، فدعا رسول الله ﷺ عمهما وقال :"أعط ابنتي سعد الثلثين وأمّهما الثمن وما بقي فهو لك" فهذا أوّل ميراث قسم في الإسلام، وكأنه قيل : كفى الذكور أن ضوعف لهم نصيب الإناث، ولا يضارون في حظهنّ حتى يحرمن مع إدلائهنّ مع القرابة مثل ما يدلون به.