فإن قيل : حظ الأنثيين الثلثان فكأنه قيل للذكر الثلثان ؟
أجيب : بأنّ المراد حالة الاجتماع كما مرّ أما في حالة الانفراد فالابن يأخذ المال كله، والبنتان يأخذان الثلثين والدليل على أنّ الغرض حكم الاجتماع أنه اتبعه حكم الانفراد بقوله تعالى :﴿فإن كنّ﴾ أي : إن كان الأولاد ﴿نساء﴾ خلصاً ليس معهنّ ذكر، وأنث الضمير باعتبار الخبر أو على تأويل المولودات وقوله تعالى :﴿فوق اثنتين﴾ خبر ثان أو صفة لنساء أي : نساء زائدات على اثنتين.
فإن قيل : قوله تعالى : للذكر مثل حظ الأنثيين كلام مسوق لبيان حظ الذكر من الأولاد لا لبيان حظ الأنثيين، فكيف صح أن يردف قوله :﴿فإن كن نساء﴾ وهو لبيان حظ الإناث ؟
أجيب : بأنه وإن كان مسوقاً لبيان حظ الذكر إلا أنه لما علم منه حظ الأنثيين مع أخيهما كان كأنه مسوق للأمرين جميعاً فلذلك صح أن يقال : فإن كنّ نساء ﴿فلهن ثلثا ما ترك﴾ أي : المتوفى منكم ويدل عليه المعنى ﴿وإن كانت﴾ أي : المولودة ﴿واحدة فلها النصف﴾ وقرأ نافع واحدة بالرفع على كان التامّة، والباقون بالنصب على كان الناقصة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢٦
واختلف في ميراث الأنثيين فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه : حكمهما حكم الواحدة ؛ لأنه تعالى جعل الثلثين لما فوقهما، وقال الباقون : حكمهما حكم ما فوقهما ؛ لأنه تعالى لما بين أنّ حظ الذكر مثل حظ الأنثيين إذا كان معه أنثى، وهو الثلثان، اقتضى ذلك أنّ فرضهما الثلثان ثم
٣٢٨
لما أوهم ذلك أن يزاد النصيب بزيادة العدد ردّ ذلك بقوله تعالى :﴿فإن كنّ نساء فوق اثنتين﴾ ويؤيد ذلك أنّ البنت الواحدة لما استحقت الثلث مع أخيها فبالأولى والأحرى أن تستحقه مع أخت مثلها، ويؤيده أيضاً إنّ البنتين أمسّ رحماً من الأختين وقد فرض لهما الثلثين بقوله :﴿فلهما الثلثان مما ترك﴾ وقيل : فوق صلة وقيل : لدفع توهم زيادة النصيب بزيادة العدد لما أفهم استحقاق البنتين من جعل الثلث للواحدة مع الذكر ﴿ولأبويه﴾ أي : الميت وقوله تعالى :﴿لكل واحد منهما السدس مما ترك﴾ بدل بعض من كل فالسدس مبتدأ ولأبويه خبر وفائدة البدل دفع توهم أن يكون للأب ضعف ما للأم أخذاً من قوله تعالى :﴿للذكر مثل حظ الأنثيين﴾ وبهذا اندفع كما قال التفتازاني إنّ البدل ينبغي أن يكون بحيث لو أسقط استقام الكلام معنى، وهنا لو قيل : لأبويه السدس لم يستقم هذا ﴿إن كان له﴾ أي : الميت ﴿ولد﴾ ذكر أو غيره وألحق بالولد ولد الابن وبالأب الجدّ ﴿فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه﴾ أي : فقط بقرينة المقام ﴿فلأمه الثلث﴾ مما ترك وإنما لم يذكر حصة الأب ؛ لأنه لما فرض أنّ الوارث أبواه فقط، وعين نصيب الأمّ علم أنّ الباقي للأب، وكأنه قال : فلهما ما ترك أثلاثاً، ولو كان معهما أحد الزوجين كان لها ثلث ما بقي بعد فرضه كما قال الجمهور لا ثلث المال كما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنه، فإنه يفضي إلى تفضيل الأنثى على الذكر المساوي لها في الجهة والقرب، وهو كما قال البيضاوي خلاف وضع الشرع ﴿فإن كان له إخوة﴾ أي : اثنان فصاعداً ذكور أو إناث كما عليه الجمهور ﴿فلأمّه السدس﴾ والباقي للأب ولا شيء للإخوة.
وقال ابن عباس : لا يحجب الأمّ من الثلث إلى السدس إلا ثلاثة إخوة ذكور، أخذاً بظاهر اللفظ، وإطلاق اللفظ يدلّ على أنّ الإخوة يردّونها من الثلث إلى السدس وإن كانوا لا يرثون مع الأب شيئاً، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنهم يأخذون السدس الذي حجبوا عنه الأمّ.
وقرأ حمزة والكسائي في الوصل فلأمّه بكسر الهمزة فراراً من ضمة إلى كسرة لثقله في الموضعين، والباقون بضمها، وقوله تعالى :﴿من بعد وصية يوصى بها أو دين﴾ متعلق بما تقدّمه من قسمة المواريث كلها أي : هذه الأنصباء للورثة من بعد وصية أو وفاء دين، وإنما عبر بأو دون الواو للدلالة على أنهما متساويان في الوجوب مقدّمان على القسمة مجموعين ومفردين.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢٦


الصفحة التالية
Icon