﴿ولكل﴾ من الرجال والنساء ﴿جعلنا موالي﴾ أي : عصبة يعطون ﴿مما ترك الوالدان والأقربون﴾ لهم من المال فالوالدان والأقربون هم المورثون، وقيل : معناه ولكل جعلنا موالي أي : ورثة مما ترك أي : من الذين تركهم فتكون ما بمعنى من، ثم فسر الموالي فقال : الوالدان والأقربون أي : هم الوالدان والأقربون، فعلى هذا القول الوالدان هم الوارثون ﴿والذين عاقدت أيمانكم﴾ والمعاقدة المعاهدة والمحالفة، والأيمان جمع يمين بمعنى القسم أو اليد وذلك أنهم كانوا عند المحالفة يأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد، ومحالفتهم أنّ الرجل كان في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول : دمي دمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عني وأعقل عنك، فيكون للحليف السدس من مال الحليف وكان ذلك ثابتاً في ابتداء الإسلام، فذلك قوله تعالى :﴿فآتوهم نصيبهم﴾ (النساء، ١٠٩)
أي : أعطوهم حظهم من الميراث، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى :﴿وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله﴾ (الأنفال/ ٧٥.
وسورة الأحزاب، ٦)
وقال مجاهد : أراد فآتوهم نصيبهم من النصر والرفد ولا ميراث، وعلى هذا الآية غير منسوخة لقوله تعالى :﴿أوفوا بالعقود﴾ (المائدة، ١)
وقوله ﷺ في خطبته يوم فتح مكة :"لا تحدثوا حلفاً في الإسلام وما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به فإنه لم يزده الإسلام إلا شدّة" قال
٣٤٥
الزمخشريّ : وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لو أسلم رجل على يد رجل وتعاقدا على أن يتعاقلا ويتوارثا صح عنده وورث بحق الموالاة خلافاً للشافعيّ رحمه الله تعالى اه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤٢
وقرأ غير عاصم وحمزة والكسائي : عاقدت بألف بين العين والقاف، وأمّا هؤلاء الثلاثة فقرأوا :(عقدت) بغير ألف بمعنى عقدت عهودهم أيمانكم فحذف العهود وأقيم الضمير المضاف إليه مقامه، ثم حذف كما حذف في القراءة الأولى ﴿إنّ الله كان على كل شيء شهيداً﴾ أي : مطلعاً فخافوه ﴿الرجال قوّامون على النساء﴾ أي : يقومون عليهنّ قيام الولاة على الرعية وعلل ذلك بأمرين : أحدهما وهبيّ والآخر كسبيّ، وقد ذكر الأوّل بقوله تعالى :﴿بما فضل الله بعضهم على بعض﴾ أي : بسبب تفضيله الرجال على النساء بكمال العقل وحسن التدبير ومزيد القوّة في الأعمال والطاعات، ولذلك خصوا بالنبوّة والأمانة والولاية، وإقامة الشعائر، والشهادة في مجامع القضايا، ووجوب الجهاد، والجمعة، والتعصيب وزيادة السهم في الميراث والاستبداد بالفراق والرجعة وعدد الأزواج وإليهم الانتساب وهم أصحاب اللحى والعمائم، ثم ذكر الثاني بقوله تعالى :﴿وبما أنفقوا من أموالهم﴾ في نكاحهنّ كالمهر والنفقة.
روي أنه ﷺ قال :"لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها".
وروي أنّ سعيد بن الربيع أحد نقباء الأنصار نشزت عليه زوجته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير فلطمها فانطلق بها أبوها إلى رسول الله ﷺ وقال : أفرشته كريمتي فلطمها فقال :"لتقتص منه" فنزلت فقال :"أردنا أمراً وأراد الله أمراً والذي أراد الله خير" ورفع القصاص ﴿فالصالحات﴾ منهنّ ﴿قانتات﴾ أي : مطيعات لأزواجهنّ ﴿حافظات للغيب﴾ أي : لما يجب عليهنّ حفظه في حال غيبة أزواجهنّ من الفروج والبيوت والأموال، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله ﷺ "خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرّتك وإن أمرتها أطاعتك وإن غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها" ﴿بما حفظ الله﴾ أي : بما حفظهنّ الله حين أوصى بهنّ الأزواج في كتابه، وأمر رسول الله ﷺ فقال :"استوصوا بالنساء خيراً" أو بما حفظهنّ الله وعصمهنّ ووفقهنّ لحفظ الغيب، أو بما حفظهنّ حين وعدهنّ الثواب العظيم على حفظ الغيب وأوعدهنّ بالعذاب الشديد على الخيانة ﴿واللاتي تخافون﴾ أي : تعلمون ﴿نشوزهنّ﴾ كما في قوله تعالى :﴿فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً﴾ (البقرة، ١٨٢)
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤٦
فعظوهنّ﴾
أي : خوفوهنّ كأن يقول لزوجته : اتقي الله في الحق الواجب لي عليك واحذري العقوبة ويبيّن لها أنّ النشوز يسقط النفقة والقسم ﴿واهجروهنّ في المضاجع﴾ أي : اعتزلوهنّ في الفراش ﴿واضربوهنّ﴾ وإن لم يتكرّر النشوز إن أفاد الضرب وإلا فلا يضرب كما لا يضرب ضرباً مبرّحاً ولا وجهاً ولا مهالك ومع ذلك فالأولى له العفو، وخرج بالعلم بالنشوز ما إذا ظهرت أماراته فقط إما بقول كأن صارت تجيبه بكلام خشن بعد أن كان بلين، وإما بفعل كأن يجد منها إعراضاً وعبوساً بعد تلطف وطلاقة وجه، فإنه يعظها بلا هجر وبلا ضرب
٣٤٦


الصفحة التالية
Icon