جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤٩
وروي أنه ﷺ قال :"إنّ الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزيه بها في الآخرة" قال : وأمّا الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة
٣٥٠
يعطى بها خيراً. وفي رواية :"إذا خلص المؤمنون من النار وأمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار، قال : يقولون : ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار قال : فيقول اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم فيأتون فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى ركبتيه فيخرجونهم فيقولون : ربنا قد أخرجنا من أمرتنا قال : ثم يقول : أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار حتى يقول من كان في قلبه مثقال ذرّة، قال أبو سعيد : فمن لم يصدّق فليقرأ هذه ﴿إنّ الله﴾ إلخ.. قال : فيقولون ربنا قد أخرجنا من أمرتنا فلم يبق أحد في النار فيه خير ثم يقول الله عز وجل : شفعت الملائكة وشفعت الأنبياء وشفعت المؤمنون وبقي أرحم الراحمين قال : فيقبض قبضة من النار أو قال قبضتين ناساً لم يعملوا خيراً حتى احترقوا حتى صاروا حمماً فيؤتى بهم إلى ماء يقال له : ماء الحياة فيصب عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ـ وهي بكسر الحاء المهملة وتجمع على حبب ـ قال : فتخرج أجسادهم مثل اللؤلؤ في أعناقهم الخاتم عتقاء الله فيقال لهم : ادخلوا الجنة فما تمنيتم أو رأيتم من شيء فهو لكم قال : فيقولون : ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين قال : فيقول الله تعالى : فإنّ لكم عندي أفضل منه فيقولون : ربنا وما أفضل من ذلك ؟
فيقول : رضائي عنكم فلا أسخط عليكم أبداً".
فإن قيل : لم أنث الضمير مع أنه راجع للمثقال وهو مذكر ؟
أجيب : بأنه أنثه لتأنيث الخبر أو لإضافة المثقال إلى مؤنث، وقيل : إنّ الضمير راجع إلى ذرّة وهي مؤنثة لا إلى مثقال وحذفت النون تشبيهاً بحروف العلة، وقرأ نافع وابن كثير : حسنة برفع التاء على كان التامّة والباقون بنصبها على كان الناقصة، وقرأ ابن كثير وابن عامر (يضعفها) بتشديد العين ولا ألف قبلها والباقون بتخفيف العين وألف قبلها ﴿ويؤت﴾ أي : يعط صاحب الحسنة ﴿من لدنه﴾ أي : من عند الله على سبيل التفضل زائداً على ما وعد في مقابلة العمل ﴿أجراً عظيماً﴾ أي : عطاء جزيلاً وإنما سماه أجراً ؛ لأنه تابع للأجر مزيد عليه لا يثبت إلا بثباته.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤٩
فكيف﴾
حال الكفار ؟
﴿إذا جئنا من كل أمّة بشهيد﴾ يشهد عليها بعملها وهو نبيها لقوله تعالى :﴿وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم﴾ (المائدة، ١١٧)
﴿وجئنا بك﴾ يا محمد ﴿على هؤلاء﴾ الشهداء ﴿شهيداً﴾ أي : شاهداً تشهد على صدقهم لعلمك بعقائدهم واستجماع شرعك على مجامع قواعدهم، وقيل : هؤلاء إشارة إلى المؤمنين لقوله تعالى :﴿لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً﴾ (البقرة، ١٤٣)
وقيل : إلى الكافرين المستفهم عن حالهم.
وعن ابن مسعود أنه قرأ سورة النساء على رسول الله ﷺ حتى بلغ قوله :﴿وجئنا بك على هؤلاء شهيداً﴾ فبكى رسول الله ﷺ وقال :"حسبك".
٣٥١
﴿يومئذٍ﴾ أي : المجيء وهو يوم القيامة ﴿يودّ﴾ أي : يتمنى ﴿الذين كفروا وعصوا الرسول لو﴾ أي : أن ﴿تسوّى بهم الأرض﴾ كالموتى أو لم يبعثوا أو لم يخلفوا وكانوا هم والأرض سواء، وقال الكلبيّ يقول الله عز وجلّ للبهائم والوحوش والطيور والسباع : كونوا تراباً فتسوّى بهنّ الأرض فعند ذلك يتمنى الكافر أنه لو كان تراباً كما قال تعالى :﴿ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً﴾ (النبأ، ٤٠)
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم : تسوّى بضم التاء للبناء للمفعول، والباقون بالفتح بالبناء للفاعل مع حذف إحدى التاءين في الأصل، وشدّد السين نافع وابن عامر، وخففها الباقون.
﴿ولا يكتمون الله حديثاً﴾ أي : مما عملوه ؛ لأنّ جوارحهم تشهد عليهم، وقال الحسن : إنها مواطن ففي موطن لا يتكلمون ولا تسمع إلا همساً، وفي موطن يتكلمون ويكذبون ويقولون : ما كنا مشركين وما كنا نعمل من سوء، وفي موطن يسألون الرجعة، وآخر تلك المواطن أن يختم على أفواههم وتتكلم جوارحهم وهو قوله تعالى :﴿ولا يكتمون الله حديثاً﴾ وقال سعيد بن جبير : قال رجل لابن عباس : إني أجد في القرآن شيئاً يختلف عليّ فقال : هات ما اختلف عليك قال : قال الله تعالى :﴿فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون﴾ (المؤمنون، ١٠١)
وقال تعالى :﴿وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون﴾ (الطور، ٢٥)
وقال تعالى :﴿ولا يكتمون الله حديثاً﴾ (النساء، ٤٢)
وقال :﴿وا ربنا ما كنا مشركين﴾ (الأنعام، ٢٣)
فقد كتموا، وقال تعالى :﴿أم السماء بناها﴾ إلى قوله :﴿والأرض بعد ذلك دحاها﴾ (النازعات، ٣٠)


الصفحة التالية
Icon