﴿فلا وربك﴾ أي : فوربك ولا مزيدة لتأكيد القسم ﴿لا يؤمنون﴾ أي : يوجدون هذا الوصف ويجدونه ﴿حتى يحكموك﴾ أي : يجعلوك حكماً ﴿فيما شجر﴾ أي : اختلف واختلط ﴿بينهم﴾ من كلام بعضهم لبعض للتنازع حتى كانوا كأغصان الشجرة في التداخل والتضايق ﴿ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً﴾ أي : نوعاً من الضيق ﴿مما قضيت﴾ به عليهم ﴿ويسلموا تسليماً﴾ أي : وينقادوا لك انقياداً بظواهرهم وبواطنهم، وفي الصحيح : إنّ الآية نزلت في الزبير وخصم له من الأنصار وقد شهد بدراً في شراج من الحرة كانا يستقيان بها النخل فقال النبيّ ﷺ للزبير :"اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك" فغضب الأنصاري وقال : يا رسول الله : أن كان ابن عمتك ؟
فتلوّن وجه رسول الله ﷺ ثم قال :"اسق يا زبير ثم احبس حتى يبلغ الجدر واستوف حقك ثم أرسله إلى جارك" وقيل : نزلت في بشر المنافق واليهودي اللذين اختصما إلى عمر.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٦١
٣٦٢
﴿ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم﴾ كما أمرنا بني إسرائيل، أو تعرّضوا بها للقتل بالجهاد، وإن مصدرية أو مفسرة ؛ لأنّ (كتبنا) في معنى أمرنا، وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي بكسر النون في الوصل، والباقون بالضم ﴿أو اخرجوا من دياركم﴾ أي : التي هي لأشباحكم كأشباحكم لأرواحكم توبة لربكم ﴿ما فعلوه﴾ أي : المكتوب عليهم أي : إنا ما كتبنا عليهم إلا طاعة الله ورسوله والرضا بحكمه ولو كتبنا عليهم القتل والخروج من الديار ما كان يفعله ﴿إلا قليل منهم﴾ قال الحسن ومقاتل : لما نزلت هذه الآية، قال عمر وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وناس من أصحاب رسول الله ﷺ وهم القليل والله لو أمرنا لفعلنا والحمد لله الذي عافانا فبلغ النبيّ ﷺ ذلك فقال :"إنّ من أمّتي لرجالاً الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي"، وقرأ ابن عامر قليلاً بالنصب على الاستثناء والباقون بالرفع على البدل ﴿ولو أنهم﴾ أي : هؤلاء المنافقين ﴿فعلوا ما يوعظون به﴾ من طاعة الرسول ﷺ ﴿لكان خيراً لهم﴾ في عاجلهم وآجلهم مما اختاروه لأنفسهم ﴿وأشدّ تثبيتاً﴾ أي : تحقيقاً لإيمانهم.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٦٢
وإذاً﴾
أي : لو ثبتوا ﴿لآتيناهم من لدنا﴾ أي : من عندنا ﴿أجراً عظيماً﴾ وهو الجنة ﴿ولهديناهم صراطاً مستقيماً﴾ يصلون بسلوكه جنات القدس وتفتح لهم أبواب الغيب قال ﷺ "من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم" رواه أبو نعيم في حليته.
روي أنّ ثوبان مولى رسول الله ﷺ كان شديد الحب لرسول الله ﷺ قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه يعرف الحزن في وجهه فقال له رسول الله ﷺ "ما غير لونك ؟
" فقال : يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع غير أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك ؛ لأنك ترفع مع النبيين وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة
٣٦٣
أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبداً فأنزل الله تعالى
﴿ومن يطع الله﴾ في امتثال أوامره والوقوف عند زواجره ﴿والرسول﴾ أي : في كل ما أراده فإن منصب الرسالة يقتضي ذلك لا سيما من بلغ نهايتها ﴿فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم﴾ أي : معدود من حزبهم، فهو بحيث إذا أراد زيارتهم أو رؤيتهم وصل إليهم بسهولة، وقوله تعالى :﴿من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين﴾ بيان للذين حال منه أو من ضميره، قسمهم أربعة أقسام بحسب منازلهم في العلم والعمل وحث كافة الناس على أن لا يتأخروا عنهم، وهم الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل المتجاوزون حدّ الكمال إلى درجة التكميل، ثم الصدّيقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان حتى اطلعوا على الأشياء وأخبروا عنها على ما هي عليه، ثم الشهداء الذين أدّى بهم الحرص على الطاعة والجدّ في إظهار الحق حتى بذلوا مهجتهم في إعلاء كلمة الله تعالى، ثم الصالحون الذين صرفوا أعمارهم في طاعته وأموالهم في مرضاته ﴿وحسن﴾ أي : وما أحسن ﴿أولئك﴾ أي : العالون الأخلاق السابقون ﴿رفيقاً﴾ من الرفق وهو لين الجانب ولطافة الفعل، وهو مما يستوي واحده وجمعه أي : رفيقاً في الجنة بأن يستمتع فيها برؤيتهم ورؤيا ربهم والحضور معهم وإن كان مقرّهم في درجات عالية بالنسبة إلى غيرهم.
روي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رجلاً قال : يا رسول الله الرجل يحب قوماً ولم يلحق بهم قال النبيّ ﷺ "المرء مع من أحب".
وروي أيضاً أن رجلاً قال : يا رسول الله متى الساعة ؟
قال :"وما أعددت لها ؟
" فلم يذكر كثيراً إلا أنه يحب الله ورسوله قال :"فأنت مع من أحببت" وقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٦٢


الصفحة التالية
Icon