روي أنّ رجلاً قال لرسول الله ﷺ السلام عليك فقال :"وعليك السلام ورحمة الله" وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله فقال :"وعليك السلام ورحمة الله وبركاته" وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال :"وعليك أي : السلام ورحمة الله وبركاته فقال الرجل : نقصتني أي : الفضل على سلامي، فأين ما قال الله أي : من الفضل ؟
وتلا الآية فقال :"لم تترك لي فضلاً فرددت عليك مثله" لأنّ ذلك هو النهاية لاستجماعه أقسام المطالب وهي السلامة من المضار وحصول المنافع وثبوتها، وظاهر الآية إنه لو رد عليه بأقل مما سلم عليه به إنه لا يكفي، وظاهر كلام الفقهاء إنه يكفي، وتحمل الآية على أنه الأكمل وابتداء السلام على المسلم سنة عين من المنفرد وكفاية من الجماعة، وردّه فرض عين إذا كان المسلم عليه واحداً، وكفاية من الجماعة، ويشترط في الردّ الفور، والجوب مستفاد من الأمر، والفور من الفاء، وأمّا كونه كفاية فلخبر أبي داود "يجزىء عن الجماعة إذا مرّوا أن يسلم أحدهم ويجزىء عن الجلوس أن يردّ أحدهم" والراد منهم هو المختص بالثواب ويسقط الحرج عن الباقين، وإن أجابوا كلهم كانوا مؤدّين للفرض سواء أكانوا مجتمعين أم متفرّقين كصلاة الجنازة، ولا يسقط الفرض بردّ الصبيّ المميز.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٦٨
فإن قيل : قد سقط به فرض الصلاة عن الجنازة، أجيب : بأن المقصود من الصلاة الدعاء والصبيّ أقرب إلى الإجابة والمقصود من السلام الأمان والصبيّ ليس من أهله، ولا يسقط أيضاً بردّ من لم يسمع، ولو سلم على امرأة إن كان يباح له النظر إليها كمحرمة وزوجته يسنّ له السلام
٣٧٠
عليها، ووجب عليها الردّ وإلا كره له ابتداء وردّاً وحرم عليها ابتداء وردّ هذا إذا كانت مشتهاة، فإن كانت عجوزاً أو جماعة نسوة لم يكره، ويجب الردّ لانتفاء خوف الفتنة، ولا يسنّ ابتداؤه على قاضي حاجة ولا على آكل ولا على من في حمام ولا على مصلّ ومؤذن وخطيب وملب ومستغرق القلب بالدعاء، ولا يجب الجواب عليهم، ويحرم ابتداؤه على الكافر، ويرد عليه إذا سلم بعليك فقط، وهذا باب طويل قد بينته السنة وقد أكثرت منه في شرح المنهاج ﴿إنّ الله كان﴾ أي : أزلاً وأبداً ﴿على كل شيء حسيباً﴾ أي : محاسباً فيجازي عليه، وقال مجاهد : حفيظاً، وقال أبو عبيدة : كافياً، يقال : حسبي هذا أي : كفاني وقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٦٨
﴿الله لا إله إلا هو﴾ مبتدأ وخبر وقوله تعالى :﴿ليجمعنكم﴾ اللام لام القسم أي : والله ليجمعنكم الله من قبوركم ﴿إلى﴾ في ﴿يوم القيامة﴾ وسميت بذلك ؛ لأنّ الناس يقومون من قبورهم قال تعالى :﴿يوم يخرجون من الأجداث سراعاً﴾ (المعارج، ٤٣)
وقيل : لقيامهم إلى الحساب قال تعالى :﴿يوم يقوم الناس لرب العالمين﴾ (المطففين، ٦)
﴿لا ريب﴾ أي : لا شك ﴿فيه﴾ أي : في ذلك اليوم أو في الجمع ﴿ومن أصدق من الله حديثاً﴾ أي : قولاً.
فإن قيل : الصدق لا يتفاوت كالعلم إذ لا يقال : هذا الصدق أصدق من هذا الصدق كما لا يقال : هذا العلم أعلم من هذا المعلم، أجيب : بأنّ الصدق صفة للقائل لا صفة للحديث أي : لا أحد غير الله أصدق منه ؛ لأنّ غيره يتطرّق إلى خبره الكذب، وذلك مستحيل في حقه تعالى، والأنبياء مخبرون عن الله تعالى، وقرأ حمزة والكسائيّ بإشمام الصاد أي : بحرف متولد بين الصاد والزاي ﴿فما لكم﴾ أي : فما شأنكم صرتم ﴿في المنافقين﴾ أي : في أمرهم ﴿فئتين﴾ أي : فرقتين ولم تتفقوا على كفرهم وذلك أن ناساً منهم استأذنوا رسول الله ﷺ في الخروج إلى البدو لاجتواء المدينة فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة مرحلة حتى لحقوا المشركين، فاختلف المسلمون في إسلامهم، وقال مجاهد : هم قوم خرجوا إلى المدينة وأسلموا، ثم استأذنوا رسول الله ﷺ في الخروج إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها فخرجوا وأقاموا بمكة، واختلف المسلمون فيهم فقائل يقول : هم منافقون، وقائل يقول : هم مؤمنون، وقال قوم : في الذين تخلفوا يوم أحد من المنافقين، فلما رجعوا قال بعض الصحابة لرسول الله ﷺ اقتلهم فإنهم منافقون، وقال بعضهم : اعف عنهم فإنهم تكلموا بالإسلام.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧١
وا أركسهم﴾
أي : نكسهم بأن صيرهم إلى النار أو ردّهم إلى حكم الكفرة ﴿بما كسبوا﴾ من الكفر والمعاصي ﴿أتريدون أن تهدوا من أضلّ الله﴾ أي : أتعدّونهم من جملة المهتدين والاستفهام في الموضعين للإنكار ﴿ومن يضلل الله﴾ أي : ومن يضله الله ﴿فلن تجد له سبيلاً﴾ أي : طريقاً إلى الهدى.
﴿ودّوا﴾ أي : تمنوا ﴿لو تكفرون كما كفروا فتكونون﴾ أنتم وهم ﴿سواء﴾ في الكفر.
تنبيه : قوله تعالى :﴿فتكونون﴾ لم يرد به جواب التمني ؛ لأنّ جوابه بالفاء منصوب وإنما أراد النسق أي : ودّوا لو تكفرون وودّوا لو تكونون سواء مثل قوله :﴿ودّوا لو تدهن فيدهنون﴾ (القلم، ٩)


الصفحة التالية
Icon