لا تحلوا شعائر الله} فعلى الأوّل الآية محكمة قال الحسن : ليس في المائدة منسوخ، وعلى الثاني قال البيضاوي : فالآية منسوخة أي : لما فيها من حرمة القتال في الشهر الحرام، ومن حرمة منع المشركين عن المسجد الحرام والأوّل منسوخ بقوله تعالى :﴿اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم﴾ (التوبة، ٥) والثاني بقوله تعالى :﴿فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا﴾ (التوبة، ٢٨) فقوله : منسوخ منزل على هذا، لكن إذا قلنا بشمول آمين للمسلمين والمشركين إنما يكون النسخ في حق المشركين خاصة وهو في الحقيقة تخصيص لا نسخ ففي تسميته نسخاً تسمح، وقرأ شعبة بضم الراء والباقون بالكسر.
﴿وإذا حللتم﴾ أي : من الإحرام وقوله تعالى :﴿فاصطادوا﴾ أمر إباحة أباح لهم الاصطياد بعد حظره عليهم كأنه قيل : وإذا حللتم فلا جناح عليكم أن تصطادوا كما في قوله تعالى :﴿فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض﴾ (الجمعة، ١٠) ﴿ولا يجرمنكم﴾ أي : يحملنَّكم أو يكسبنَّكم ﴿شنآن قوم﴾ أي : شدّة بغضهم، وقرأ ابن عامر وشعبة بسكون النون بعد الشين والباقون بنصبها وقوله تعالى :﴿أن صدّوكم﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة على أن الشرطية والباقون بفتحها أي : لأجل أن صدوكم في عام الحديبية أو غيره ﴿عن المسجد الحرام﴾ وقوله تعالى :﴿أن تعتدوا﴾ أي : يشتد عدْوُكم عليهم بأن تنتقموا منهم بالقتل وغيره، ثاني مفعولي يجرمنكم فإنه يتعدّى إلى واحد وإلى اثنين ككسب ﴿وتعاونوا على البر والتقوى﴾ أي : بفعل ما أمرتم به ﴿ولا تعاونوا﴾ فيه حذف إحدى التاءين في الأصل ﴿على الإثم﴾ أي : المعاصي للتشفي ﴿والعدوان﴾ أي : التعدي في حدود الله للانتقام ﴿واتقوا الله﴾ أي : خافوا عقابه بأن تطيعوه ﴿إنّ الله شديد العقاب﴾ لمن خالفه فانتقامه أشد.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٦
وقوله تعالى :
﴿حرمت عليكم الميتة﴾ أي : أكلها بيان ما يتلى عليكم والميتة ما فارقته الروح من غير ذكاة شرعية ﴿والدم﴾ أي : المسفوح قال تعالى :﴿أو دماً مسفوحاً﴾ وكان أهل الجاهلية يصبونه في الأمعاء ويشوونها ﴿ولحم الخنزير﴾ قال العلماء : الغذاء يصير جزءاً من جوهر المتغذي ولا بد أن يحصل للمتغذي أخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلاً في الغذاء، والخنزير مطبوع على حرص عظيم ورغبة شديدة في المنهيات فحرّم أكله على الإنسان لئلا يتكيّف بتلك الكيفية، ولذلك إن الفرنج لما واظبوا على أكل لحم الخنزير أورثهم الحرص العظيم والرغبة الشديدة في
٤٠٨
المنهيات، وأورثهم عدم الغيرة فإنّ الخنزير يرى الذكر من الخنازير ينزو على الأنثى التي له ولا يتعرّض له لعدم الغيرة.
﴿وما أهل لغير الله به﴾ أي : رفع الصوت به لغير الله بأن ذبح على اسم غيره، والإهلال : رفع الصوت ومنه يقال : فلان أهل بالحج إذا لبى وكانوا يقولون عند الذبح : باسم اللات والعزى، قال ابن عادل : وقدم هنا لفظ الجلالة في قوله لغير الله به وأخرت في البقرة لأنها هناك فاصلة أو تشبه الفاصلة بخلافها هنا لأنّ بعدها معطوفات ﴿والمنخنقة﴾ وهي التي ماتت بالخنق سواء أفعل بها ذلك آدميّ أم اتفق لها ذلك ﴿والموقوذة﴾ وهي التي وقذت أي : ضربت حتى ماتت ويدخل في الموقوذة ما رمي بالبندق فمات ﴿والمتردّية﴾ أي : الساقطة من علو بان سقطت من جبل أو مشرف أو في بئر فماتت، ولو رمى صيداً في الهواء بسهم فأصابه فسقط على الأرض ومات حلّ لأنّ الوقوع على الأرض من ضرورته وإن سقط على جبل أو شجر ثم تردى منه فمات لم يحل لأنه من المتردية إلا أن يكون السهم ذبحه في الهواء فيحل كيفما وقع لأنّ الذبح قد حصل قبل التردية.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٨
تنبيه : دخلت الهاء في هذه الكلمات لأنّ المنخنقة هي الشاة المنخنقة كأنه قيل : حرّمت عليكم الشاة المنخنقة والموقوذة والمتردية وخصَّت الشاة لأنها من أعمّ ما يأكل الناس والكلام يُخرّج على الأعمّ ويكون المراد الكل وأما الهاء في قوله تعالى :﴿والنطيحة﴾ وهي التي تنطحها أخرى فتموت فِللْنَّقل من الوصفية إلى الاسمية وإلا فكان من حقها أن لا تدخلها تاء التأنيث كقتيل وجريح، وما في قوله تعالى :﴿وما أكل السبع﴾ بمعنى الذي وعائده محذوف أي : وما أكله السبع ولا بد من حذف، ولهذا قال الزمخشريّ : وما أكل بعضه السبع وهذا يدل على أنّ جوارح الصيد إذا أكلت ما اصطادته لم يحل أكله.