فإن قيل : المسح على الخف بدل فهلا وجب تعميمه كمُبْدَله ؟
أجيب : بقيام الإجماع على عدم وجوبه، ولا فرق بين أن يمسح على بشرة الرأس أو شعرها ولو شعرة واحدة في حدّ الرأس ؛ لأنّ ذلك يصدق عليها مسمى الرأس عرفاً إذ الرأس اسم لما رأس وعلا وقوله تعالى :﴿وأرجلكم﴾ قرأ نافع وابن عامر وحفص والكسائي بنصب اللام عطفاً على وجوهكم. وقيل : على أيديكم والباقون بالكسر على الجوار ومنهم من عطف على المجرور على قراءة الجرّ والممسوح ليفيد مسح الخف، وعطف على المنصوب على قراءة النصف على المغسول ليفيد غسل الرجل المتجرّدة منه فيفيد كل من القراءتين غير ما أفادته الأخرى وقوله تعالى :﴿إلى الكعبين﴾ وهم العظمان الناتئان في كل رجل من جانبين عند مفصل الساق والقدم دل على دخولهما في الغسل ما دل على دخول المرفقين فيه وقد مرّ.
تنبيه : الفصل بين الأيدي والأرجل المغسولة بالرأس الممسوح فيه دليل على وجوب الترتيب في طهارة هذه الأعضاء وعليه الشافعيّ رضي الله تعالى عنه ولو قطع بعض القدم وجب غسل الباقي وإن قطع فوق الكعب فلا فرض عليه، وندب غسل الباقي كما مرّ في اليد ويؤخذ من السنة وجوب النية فيه كغيره من العبادات.
﴿وإن كنتم جنباً﴾ من جماع وغيره ﴿فاطهروا﴾ أي : بالغسل لجميع البدن ؛ لأنه أطلق ولم يخص الأعضاء كما في الوضوء ﴿وإن كنتم مرضى﴾ أي : مرضاً يضره الماء ﴿أو على سفر﴾ أي : مسافرين سفراً مباحاً طويلاً أو قصيراً ﴿أو جاء أحد منكم من الغائط﴾ أي : الموضع المطمئن من
٤١٥
الأرض الذي يقضي فيه حاجته الإنسان التي لا بد منها سمي باسمه الخارج للمجاورة. قيل : وفي ذلك حكمة وهي شدة عجز الإنسان ليكف عن إعجابه وكبره وترفعه وفخره كما حكي أنّ بعض الأمراء لقي بعض البله فلم يفسح له فغضب وقال : كأنك لم تعرفني فقال : بلى والله إني لأعرفك أوّلك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة، وقرأ قالون والبزي وأبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى مع المدّ والقصر وسهل ورش وقنبل الهمزة الثانية وحقق الباقون الهمزتين معاً.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١٤
أو لامستم النساء﴾ بالذكر أو غيره أمنيتم أم لا وقرأ حمزة والكسائي بغير ألف بين اللام والميم والباقون بالألف ﴿فلم تجدوا ماء﴾ بعد طلبه لفقده حساً أو معنى بالعجز عن استعماله للمرض بجرح أو غيره ﴿فتيمّموا﴾ أي : اقصدوا ﴿صعيداً﴾ أي : تراباً ﴿طيباً﴾ أي : طهوراً خالصاً ﴿فامسحوا بوجوهكم وأيديكم﴾ مع المرفقين ﴿منه﴾ بضربتين والباء للإلصاق وبينت السنة أنّ المراد استيعاب العضوين بالمسح وتقدّم مثل هذه الآية في النساء في البيضاوي، ولعل تكريره ليتصل الكلام في بيان أنواع الطهارة.
﴿ما يريد الله ليجعل عليكم﴾ في الدين ﴿من حرج﴾ أي : ضيق بما فرض عليكم من الوضوء والغسل والتيمم ﴿ولكن يريد ليطهركم﴾ من الأحداث والذنوب فإنّ الوضوء يكفر الذنوب ﴿وليُتِمّ نعمته عليكم﴾ ببيان شرائع الدين ﴿لعلكم تشكرون﴾ نعمه فيثيبكم، قال البيضاوي : والآية مشتملة على سبعة أمور كلها مثنى طهارتان أصل وبدل والأصل اثنان مستوعب وغير مستوعب وغير المستوعب باعتبار الفعل غسل ومسح وباعتبار المحل محدود وغير محدود وإنّ آلتيهما مائع وجامد وموجبهما حدث أصغر أو أكبر، وإنّ المبيح للعدول إلى البدل مرض أو سفر، وإنّ الموعود عليه تطهير الذنوب وإتمام النعمة.
﴿واذكروا نعمة الله عليكم﴾ أي : في هدايته لكم إلى الإسلام بعد أن كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، وفي غير ذلك من جميع النعم ليذكركم المنعم ويرغبكم في شكره، لأنّ كثرة النعم توجب على المنعم عليه الاشتغال بخدمة المنعم والانقياد لأوامره ونواهيه وقال تعالى :﴿نعمة الله﴾ ولم يقل نعم الله ؛ لأنّ هذا الجنس لا يقدر عليه إلا الله لأنّ نعمة الحياة والصحة والعقل والهداية والصون من الآفات وإيصال الخيرات في الدنيا والآخرة لا يعلمه إلا الله تعالى وإن المراد التأمل في هذا النوع من حيث إنه ممتاز عن نعمة غيره.