روي أنّ المشركين رأوا رسول الله ﷺ وأصحابه قاموا إلى صلاة الظهر يصلون معاً وذلك بعسفان وهو وادٍ بينه وبين مكة مرحلتان في غزوة ذي أنمار فلما صلّوا ندموا أن لا كانوا أكبوا عليهم فقالوا : إن لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم يعنون صلاة العصر وهموا بأن يوقعوا بهم إذا قاموا إليها فنزل جبريل عليه السلام بصلاة الخوف، رواه مسلم وغيره والآية إشارة إلى ذلك.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١٧
وروي أنّ رسول الله ﷺ أتى بني قريظة ومعه الخلفاء الأربعة يستقرضهم أي : يطلب منهم مالاً قرضاً لدية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمري خطأ يحسبهما مشركين، لكن في رواية البيهقي أنّ المقتولين كانا معاهدين لا مسلمين وأن الخروج كان لبني النضير لا إلى قريظة فقالوا : نعم يا أبا القاسم وكانوا قد عاهدوا النبيّ ﷺ على ترك القتال وعلى أن يعينوه في الديات فقالوا : قد آن لك أن تأتينا أو تسألنا حاجة اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا فجلس رسول الله ﷺ وأصحابه وخلا بعضهم ببعض وقالوا : إنكم لن تجدوا محمداً أقرب منه الآن فمن يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه ؟
فقال عمرو بن جحش : أنا، فجاء إلى رحا عظيمة ليطرحها عليه فأمسك الله تعالى يده فنزل جبريل عليه السلام فأخبره فخرج رسول الله ﷺ راجعاً إلى المدينة ثم دعا علياً وقال :"لا تبرح مقامك فمن خرج عليك من أصحابي فسأل عني فقل : توجه إلى المدينة" ففعل ذلك حتى تناهوا إليه ثم تبعوه، وقيل : نزل رسول الله ﷺ منزلاً وتفرق الناس في العضاء يستظلون بها فعلق رسول الله ﷺ سلاحه بشجرة فجاء أعرابي فسل سيف رسول الله ﷺ ثم أقبل عليه فقال : من يمنعك مني ؟
قال :"الله" فأسقطه جبريل من يده فأخذه رسول الله ﷺ وقال :"من منعك مني ؟
" فقال : لا أحد أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله فنزلت.
﴿إذ همّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم﴾ ليفتكوا بكم يقال : بسط إليه لسانه إذا شتمه وبسط إليه يده إذا بطش به قال تعالى :﴿ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء﴾ (الممتحنة، ٢) ومعنى بسط اليد مدّها إلى المبطوش به، ألا ترى إلى قولهم : فلان بسيط الباع ومديد الباع بمعنى ﴿فكف أيديهم عنكم﴾ أي : منعها أن تمد إليكم ورد مضرتها عنكم ﴿واتقوا الله﴾ في جميع أموركم ﴿وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾ فإنه الكافي لإيصال الخير ودفع الشر.
﴿ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل﴾ أي : العهد الموثق بما أخذ عليكم من السمع والطاعة ﴿وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً﴾ أي : شاهداً على كل سبط نقيب يكفلهم بالوفاء بما عليهم الوفاء به كما بعثنا منكم ليلة العقبة اثني عشر نقيباً وأخذنا منكم الميثاق على ما به كمال الإسلام والنقيب الذي ينقب عن أحوال القوم كما قيل له : عريف لأنه يتعرّفها ومن ذلك المناقب وهي الفضائل لأنها لا تظهر إلا بالتنقيب عنها.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١٧
روي أنّ بني إسرائيل لما استقروا بمصر بعد هلاك فرعون أمرهم الله تعالى بالمسير إلى أريحاء بالمدّ أرض الشام وكان سكنها الكنعانيون الجبابرة وقال : إني كتبتها لكم داراً وقراراً فاخرجوا إليها وجاهدوا فيها، وإني ناصركم وأمر موسى صلوات الله وسلامه عليه أن يأخذ من كل سبط نقيباً يكون كفيلاً على قومه بالوفاء بما أمروا به يوثقه عليهم واختار النقباء وأخذ الميثاق على
٤١٨
بني إسرائيل وتكفل له بهم النقباء وسار بهم، فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسسون فرأوا إجراماً عظيماً وقوّة وشوكة فهابوا ورجعوا وحدّثوا قومهم، وقد نهاهم موسى عليه السلام أن يحدّثوهم فنكثوا الميثاق إلا كالب بن يوفنا من سبط يهودا ويوشع بن نون من سبط افراثيم بن يوسف وكانا من النقباء ﴿وقال﴾ لهم ﴿الله إني معكم﴾ أي : بالعون والنصرة ﴿لإن﴾ لام قسم ﴿أقمتم الصلاة﴾ التي هي وصلة العبد والخالق بجميع شروطها وأركانها وآتيتم الزكاة التي تقرّب العبد إلى الله عز وجلّ ﴿وآمنتم برسلي﴾ أي : بجميع الرسل ﴿وعزرتموهم﴾ أي : نصرتموهم وقيل : التعزير التعظيم وقيل : هو الثناء بخير قاله يونس وهو قريب من الثاني.
فإن قيل : لم أخرّ الإيمان بالرسل عن إقام الصلاة وإيتاء الزكاة مع أنه مقدّم عليهما ؟
أجيب : بأنّ اليهود كانوا مقرّين بأنه لا بدّ في حصول النجاة من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة إلا أنهم كانوا مصرّين على تكذيب بعض الرسل فذكر أنّ بعد إقام الصلاة وإيتاء الزكاة لا بدّ من الإيمان بجميع الرسل حتى يحصل المقصود وإلا لم يكن لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة تأثير في حصول النجاة بدون الإيمان بجميع الرسل.