وقوله تعالى :﴿يا أهل الكتاب﴾ خطاب لليهود والنصارى ووحد الكتاب لأنه للجنس ﴿قد جاءكم رسولنا﴾ وهو أفضل الخلق محمد ﷺ ﴿يبين لكم﴾ أي : يوضح إيضاحاً شافياً ﴿كثيراً مما كنتم تخفون﴾ أي : تكتمون ﴿من الكتاب﴾ أي : التوراة والإنجيل كنعت محمد ﷺ وآية الرجم في التوراة وبشارة عيسى وأحمد في الإنجيل ﴿ويعفو عن كثير﴾ أن مما تخفونه فلا يبينه إذا لم يكن فيه مصلحة في أمر ديني أو عن كثير منكم فلا يؤاخذه بجرمه ﴿قد جاءكم من الله نور﴾ هو محمد ﷺ الذي جلا ظلمات الشك والشرك ﴿وكتاب﴾ هو القرآن العظيم ﴿مبين﴾ أي : بين في نفسه مبين لما كان خافياً على الناس من الحق.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٠
يهدي به الله﴾ أي : بالكتاب وقيل : بهما ووحد الضمير لأنّ المراد بهما واحد لأنهما كواحد في الحكم ﴿من اتبع رضوانه﴾ أي : رضاه بأن آمن ﴿سبل﴾ أي : طرق ﴿السلام﴾ أي : السلامة من العذاب أو الله باتباع شرائع دينه ﴿ويخرجهم من الظلمات﴾ أي : أنواع الكفر والوساوس الشيطانية ﴿إلى النور﴾ أي : الإسلام ﴿بإذنه﴾ أي : بإرادته أو بتوفيقه ﴿ويهديهم إلى صراط مستقيم﴾ أي : طريق هي أقرب الطرق إلى الله تعالى ومؤدّ إليه لا محالة وهو الدين الحق.
﴿لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح بن مريم﴾ وذلك حيث جعلوه إلهاً وهم اليعقوبية فرقة من النصارى، وقيل : ما صرحوا به ولكن مذهبهم يؤدي إليه حيث اعتقدوا أنه يخلق ويحيي ويميت ويدبر أمر العالم ﴿قل﴾ لهم يا محمد ﴿فمن يملك﴾ أي : يدفع ﴿من﴾ عذاب ﴿الله شيئاً﴾
٤٢١
أي : من الأشياء التي يتوهم أنها قد تمنعه مما يريد ﴿إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمّه ومن في الأرض جميعاً﴾ أي : لا أحد يملك ذلك ولو كان المسيح إلهاً لقدر عليه فدل ذلك على أنه بمعزل من الألوهية وإنه مقدور مقهور قابل للفناء كسائر الممكنات، وأراد بعطف من في الأرض على المسيح وأمّه إنهما من جنسهم لا تفاوت بينهم وبينهما في البشرية ﴿و ملك السموات والأرض وما بينهما﴾ أي : بين النوعين وبين أفرادهما مما به تمام أمرهما ﴿يخلق ما يشاء﴾ أي : على أيّ كيف أراد ﴿وا على كل شيء قدير﴾ أي : قادر على الإطلاق يخلق من غير أصل كما خلق السموات والأرض ومن أصل كما خلق ما بينهما وينشىء من أصل ليس من جنسه كآدم وكثير من الحيوانات ومن أصل يجانسه أمّا من ذكر وحده كما خلق حوّاء من آدم أو من أنثى وحدها كعيسى بن مريم أو منهما كسائر الناس.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٠
﴿وقالت اليهود والنصارى﴾ أي : كل طائفة قالت على حِدَتِها ﴿نحن أبناء الله وأحباؤه﴾ اختلف المفسرون في معنى ذلك على أربعة أوجه، أحدها : أنّ هذا من باب حذف المضاف أي : نحن أبناء رسل الله كقوله تعالى :﴿إنّ الذين يبايعونك إنما يبايعون الله﴾ (البقرة، ١٠) الثاني : إن لفظ الابن كما يطلق على ابن الصلب قد يطلق أيضاً على من اتخذ ابناً بمعنى تخصيصه بمزيد الشفقة والمحبة، فالقوم لما ادعوا عناية الله بهم ادعوا أنهم أبناء الله. الثالث : إنّ اليهود زعموا أنّ العزير ابن الله، والنصارى زعموا أنّ المسيح ابن الله ثم زعموا أنّ العزير والمسيح كانا منهم فصار كأنهم قالوا : نحن أبناء الله ألا ترى أنّ أقارب الملك إذا فاخروا أحداً يقولون : نحن ملوك الدنيا والمراد كونهم مختصين بالشخص الذي هو الملك فكذا هنا، الرابع : قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنّ النبيّ ﷺ دعا جماعة من اليهود إلى دين الإسلام وخوّفهم من عقاب الله فقالوا : كيف تخوّفنا بعذاب الله ونحن أبناء الله تعالى وأحباؤه فهذه الرواية إنما وقعت عن تلك الطائفة، وأمّا النصارى فإنهم يتلون في الإنجيل أنّ المسيح قال لهم : إني ذاهب إلى أبي وأبيكم، وقيل : أرادوا أنّ الله كالأب لنا في الحنو والعطف ونحن كالأبناء له في القرب والمنزلة، وقال إبراهيم النخعي : إنّ اليهود وجدوا في التوراة يا أبناء أحباري فبدلوه بيا أبناء أبكاري فمن ذلك قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٢
وجملة الكلام : إنّ اليهود والنصارى كانوا يرون لأنفسهم فضلاً على سائر الخلق بسبب أسلافهم من الأنبياء إلى أن ادعوا ذلك.