ثمّ ﴿قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً﴾ نفوا دخولهم على التأبيد والتأييد وقوله تعالى :﴿ما داموا فيها﴾ بدل من أبداً بدل البعض ﴿فاذهب أنت وربك فقاتلا﴾ هم ﴿إنا ههنا قاعدون﴾ عن القتال لا القعود الذي هو ضدّ القيام قالوا ذلك استهانة بالله ورسوله وعدم مبالاة بهما وقيل : وربك
٤٢٥
أي : هارون لأنه أكبر منه وقيل : تقديره اذهب أنت وربك يعينك فلما سمع من قومه ذلك.
﴿قال ربّ إني لا أملك إلا نفسي وأخي﴾ أي : لا أملك التصرّف ولا ينفذ أمري إلا في نفسي وأخي ؛ لأنّ الإنسان لا يملك نفسه في الحقيقة إنما المراد به التصرف وإني أفعل ما أمرتني به وأخي هارون قاله لشكوى بثّه وحزنه إلى الله عز وجل لما خالفه قومه وأيس منهم ولم يبق معه موافق يثق به غير هارون عليه السلام والرجلان المذكوران وإن كانوا يوافقانه لم يثق بهما مما كابد من تلوّن قومه أو إنّ المراد بأخي من يواخيني في الدين فيدخلان فيه وأظهر وجوه الإعراب في أخي أنه منصوب عطفاً على نفسي والمعنى : ولا أملك إلا أخي مع ملكي نفسي دون غيرنا ﴿فافرق﴾ أي : فافصل ﴿بيننا وبين القوم الفاسقين﴾ بأن تحكم لنا بما نستحقه ونحكم عليهم بما يستحقونه أو بالتبعيد بيننا وبينهم.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٥
قال﴾
تعالى :﴿فإنها﴾ أي : الأرض المقدّسة ﴿محرّمة عليهم﴾ أن يدخلوها وقوله تعالى :﴿أربعين سنة يتيهون﴾ أي : يتحيرون ﴿في الأرض﴾ اختلف في العامل في أربعين فقيل : محرمة فيكون التحريم مؤقتاً غير مؤبد فلا يخالف ظاهر قوله تعالى :﴿التي كتب الله لكم﴾ (المائدة، ٢١) وقيل : هو يتيهون أي : يسيرون فيها متحيرين، قال الزجاج : والأوّل خطأ لأنه جاء في التفسير أنها محرمة عليهم أبداً فنصبها بيتيهون أي : فيكون التحريم مطلقاً قال البغويّ : لم يرد به تحريم تعبد وإنما أراد تحريم منع وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام : بي حلفت لأحرّمنّ عليهم دخول الأرض المقدسة غير عبدي يوشع وكالب ولأتيهنهم في هذه البريّة أربعين سنة مكان كل يوم من الأيام التي تجسسوا فيها سنة، ولألقين جيفهم في هذه القفار وأما بنوهم الذين لم يعملوا الشر فيدخلونها فلبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ، وقيل : تسعة فراسخ قال ابن عباس : وهم ستمائة ألف مقاتل وكانوا يسيرون كلّ يوم جادّين فإذا أمسوا كانوا في الموضع الذي ارتحلوا عنه وكان الغمام يظلّهم من الشمس وعمود نور يطلع بالليل فيضيء لهم وكان طعامهم المنّ والسلوى وماؤهم من الحجر الذي يحملون فإذا ولد لأحدهم مولود كان عليه ثوب مثل الظفر في رأي العين يطول بطوله ويتسع بقدرة الله والله أعلم بما يحكى من ذلك.
فإن قيل : كيف ينزل المنّ والسلوى في حال العقوبة ؟
أجيب : بأنه سبب البقاء وهو أبقى للعقوبة فهو كإقامة الحدود مع بقاء الخطاب، واختلفوا هل كان موسى وهارون عليهما السلام فيهم أو لا ؟
قال البغويّ : الأصحّ أنهما كانا فيهم إلا أنه كان ذلك راحة لهما وزيادة في درجتهما وعقوبة لهم، وهو أبلغ في الإجابة أن يشاهدوهما في حال العقوبة فلا يصيبهما ما أصابهم ولم يدخل الأرض المقدّسة أحد ممن قال لن ندخلها بل هلكوا في التيه، وإنما قاتل الجبابرة أولادهم واختلفوا هل مات موسى وهارون في التيه أم لا ؟
قال البيضاويّ : الأكثرون إنهما كانا معهم في التيه وإنهما ماتا فيه، مات هارون قبل موسى وموسى بعده بسنة، قال عمرو بن ميمون : مات هارون قبل موسى وكانا خرجا إلى بعض الكهوف فمات هارون فدفنه موسى وانصرف إلى بني إسرائيل فقالوا : قتله لحبّنا إياه وكان محببّاً في بني إسرائيل فتضرّع موسى إلى ربه فأوحى الله تعالى إليه أن انطلق بهم إلى هارون فإني باعثه فانطلق بهم إلى قبره فناداه يا هارون فخرج من قبره ينفض رأسه فقال : أنا قتلتك ؟
قال : لا ولكن مت قال : فعد إلى مضجعك وانصرفوا وعاش موسى ﷺ بعده سنة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٥
روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال : قال رسول الله ﷺ "جاء ملك الموت إلى
٤٢٦


الصفحة التالية
Icon