يتزوّج بواحدة من بناته ولا من بنات أولاده، ولهذا ألغز بعضهم بقوله : ماتت زوجة رجل فحرم عليه نساء الدنيا وكان جميع ما ولدته أربعين ولداً في عشرين بطناً أولهم قابيل وتوأمته اقليما وثانيهم هابيل وتأومته يلودا وآخرهم عبد المغيث وتوأمته أمّ المغيث، ثم بارك الله تعالى في نسل آدم عليه السلام، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفاً فأراد آدم أن ينكح قابيل يلودا أخت هابيل وينكح هابيل اقليما وكانت أخت قابيل أحسن من أخت هابيل فذكر ذلك لولده فرضي هابيل وسخط قابيل وقال : هي أختي وأنا أحق بها فقال له أبوه : إنها لا تحل لك فأبى أن يقبل ذلك وقال : إنّ الله لم يأمر بهذا وإنما هو من رأيك فقال لهما آدم : قربا قرباناً فأيكما تقبل قربانه فهو أحق بها وكانت القرابين إذا كانت مقبولة نزلت من السماء نار بيضاء فأكلتها وإذا لم تكن مقبولة لم تنزل النار وأكله الطير والسباع فخرجا ليقربا وكان قابيل صاحب زرع فقرب صبرة من طعام من أردأ زرعه وأضمر في نفسه ـ ما أبالي تقبل مني أم لا ـ لا يتزوّج أختي أبداً وكان هابيل صاحب غنم فعمد إلى أحسن كبش في غنمه فقرّبه، وأضمر في نفسه رضا الله عز وجل فوضعا قربانهما على الجبل ثم دعا آدم فنزلت نار من السماء فأكلت قربان هابيل ولم تأكل قربان قابيل كما قال تعالى :﴿إذ قرّبا قرباناً فتقبل من أحدهما﴾ وهو هابيل ﴿ولم يتقبل من الآخر﴾ وهو قابيل لأنه سخط حكم الله ولم يخلص النية في قربانه وقصد إلى أخس ما عنده فغضب قابيل لردّ قربانه وأضمر الحسد في نفسه إلى أن أتى آدم مكة لزيارة البيت الحرام فلما غاب آدم أتى قابيل لهابيل وهو في غنمه ﴿قال لأقتلنك﴾ قال : ولم ؟
قال : لأنّ الله تعالى قبل قربانك وردّ قرباني وتنكح أختي الحسناء وأنكح أختك الدميمة فيتحدّث الناس أنك خير مني ويفتخر ولدك على ولدي ﴿قال﴾ هابيل وما ذنبي ؟
﴿إنما يتقبل الله من المتقين﴾.
فإن قيل : كيف كان قول هابيل إنما يتقبل الله من المتقين جواباً لقوله لأقتلنك ؟
أجيب : بأنه لما كان الحسد لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده بالقتل قال له : إنما أوتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى لا من قبلي فلم تقتلني ومالك لا تعاقب نفسك ولا تحملها على تقوى الله تعالى التي هي السبب في القبول فأجابه بكلام حليم مختصر جامع لمعانٍ وفيه إشارة إلى أنّ الحاسد ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره ويجتهد في تحصيل ما صار به المحسود محظوظاً لا في إزالة حظ المحسود فإنّ ذلك مما يضرّه ولا ينفعه وأنّ الطاعة لا تقبل إلا من مؤمن متَّقٍ، وعن عامر بن عبد الله أنه بكى حين حضرته الوفاة فقيل له : ما يبكيك وقد كنت وكنت فقال : إني أسمع الله يقول :﴿إنما يتقبل الله من المتقين﴾.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٥
لئن﴾ لام قسم ﴿بسطت﴾ أي : مددت ﴿إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله ربّ العالمين﴾ قال عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما : وأيم الله إن كان المقتول لأشدّ الرجلين ولكن منعه التحرّج أن يبسط إلى أخيه يده خوفاً من الله عز وجل لأن الدفع لم يبح بعد أو تحرّياً لما هو الأفضل، قال عليه الصلاة والسلام :"كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل" وإنما قال : ما أنا بباسط في جواب لئن بسطت للتبري عن هذا الفعل الشنيع رأساً والتحرّز من أن يوصف به ويطلق عليه ولذلك أكد النفي بالباء. وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص بفتح الياء من يدي والباقون بالسكون، واتفق القراء السبعة على بقاء صفة الطاء في بسطت وإدغام الطاء
٤٢٨
في التاء لأنّ مخرج الطاء والتاء واحد ولكن الصفة مختلفه فالطاء منطبقة والتاء منفتحة والطاء مستعلية والتاء مستقلة والطاء مجهورة والتاء مهموسة ويقال في ذلك : إدغام الحرف وإبقاء الصفة.
﴿إني أريد أن تبوء﴾ أي : ترجع ﴿بإثمي﴾ أي : بإثم قتلي ﴿وإثمك﴾ الذي ارتكبته من قبل ﴿فتكون من أصحاب النار﴾ ولا أريد أن أبوء بإثمك إذا قتلتك فأكون منهم.
فإن قيل : كيف قال : أريد أن تبوء بإثمي وإثمك وإرادة القتل والمعصية لا تجوز ؟
أجيب : بأنّ ذلك ليس بحقيقةِ إرادة، لكنه لما علم أنه يقتله لا محالة ووطن نفسه على الاستسلام طلباً للثواب فكأنه صار مريداً لقتله مجازاً وإن لم يكن مريداً حقيقة ﴿وذلك جزاء الظالمين﴾ أي : الراسخين في وصف الظلم وأكون أنا من أصحاب الجنة جزاء لي بإحساني في إيثاري حياتك على حياتي وذلك جزاء المحسنين.