﴿يريدون أن يخرجوا﴾ أي : أن يكون لهم الخروج في وقت مّا إذا رفعهم اللهب إلى أن يكاد أن يلقيهم خارجاً ﴿من النار﴾ ثم نفى خروجهم على وجه التأكيد فقال :﴿وما هم بخارجين منها﴾ أي : ما يثبت لهم خروج أصلاً ﴿ولهم﴾ خاصة دون عصاة المؤمنين ﴿عذاب مقيم﴾ أي : دائم تارة بالبرد وتارة بالحرّ وتارة بغيرهما.
فإن قيل : قال تعالى :﴿لا يذوقون فيها برداً﴾ (النبأ، ٢٤) فهو ينافي ما ذكر أجيب : بأن المراد بالبرد في الآية النوم فلا منافاة وأن في قوله تعالى :
﴿والسارق والسارقة﴾ موصولة مبتدأ أي : والذي سرق والتي سرقت ولشبهه بالشرط دخلت الفاء في خبره وهو ﴿فاقطعوا أيديهما﴾ أي : يمين كلّ واحد منهما من الكوع كما بيّنته السنة كما بيّنت أنه لا بدّ أن يكون المسروق ربع دينار فصاعداً من حرز مثله من غير شبهة له فيه، وأنه إذا عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم ثم اليد اليسرى ثم الرجل اليمنى ثم بعد ذلك يعزر.
ثم علّل تعالى ذلك بقوله :﴿جزاء بما كسبا﴾ أي : فعلا من ذلك ثم علّل تعالى هذا الجزاء بقوله :﴿نكالاً﴾ أي : عقوبة لهما ﴿من الله﴾ وأعاد الاسم الأعظم تعظيماً للأمر فقال :﴿وا عزيز﴾ أي : غالب على أمره ﴿حكيم﴾ أي : بالغ الحكم والحكمة في خلقه.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣٢
فمن تاب﴾ أي : من السراق ﴿من بعد ظلمه﴾ أي : سرقته ﴿وأصلح﴾ أمره بالتخلص من التبعات والعزم على أن لا يعود إليها ﴿فإنّ الله يتوب عليه﴾ أي : يقبل توبته تفضلاً منه تعالى ﴿إنّ الله غفور رحيم﴾ فلا يعذبه في الآخرة، وأمّا القطع فلا يسقط عنه بالتوبة عند الأكثرين وإذا قطع السارق يجب عليه غرم ما سرق من المال عند أكثر أهل العلم، وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي : لا غرم عليه وبالاتفاق إن كان المسروق قائماً عنده يسترد وتقطع يده لأنّ القطع حق الله عز وجل والغرم حق العبد ولا يمنع أحدهما الآخر وقوله تعالى :
﴿ألم تعلم﴾ الاستفهام للتقرير والخطاب مع النبيّ ﷺ وقيل : معناه ألم تعلم أيها الإنسان فيكون خطاباً لكل أحد من الناس ﴿أنّ الله له ملك السموات والأرض﴾ أي : أنّ الملك خالص له عن جميع الشوائب ﴿يعذب من يشاء﴾ تعذيبه ﴿ويغفر لمن يشاء﴾ المغفرة له ﴿وا على كلّ شيء قدير﴾ أي : ومنه التعذيب والمغفرة فليس هو كغيره من الملوك الذين قد يعجز أحدهم عن تقريب ابنه وتبعيد أعدا عدوّه.
﴿يأيها الرسول﴾ أي : المبلغ لما أرسل به وقوله تعالى :﴿لا يحزنك﴾ قرأ نافع بضمّ الياء وكسر الزاي والباقون بفتح الياء وضم الزاي ﴿الذين يسارعون في الكفر﴾ أي : يقعون فيه بسرعة بأن يظهروه إذا وجدوا منه فرصة وقوله تعالى :﴿من الذين قالوا آمنا﴾ للبيان وقوله تعالى :﴿بأفواههم﴾ أي : بألسنتهم متعلق بقالوا ﴿ولم تؤمن قلوبهم﴾ وهم المنافقون وقوله تعالى :﴿ومن الذين هادوا﴾ عطف على من الذين قالوا وقوله تعالى :﴿سماعون للكذب﴾ خبر مبتدأ محذوف أي : هم سماعون والضمير في سماعون للفريقين أو للذين يسارعون ويجوز أن يكون مبتدأ ومن الذين خبره أي : ومن اليهود قوم سماعون للكذب الذي افترته أحبارهم سماع قبول ﴿سماعون﴾ منك ﴿لقوم﴾ أي : لأجل قوم ﴿آخرين﴾ من اليهود ﴿لم يأتوك﴾ أي : لم يحضروا مجلسك وتجافوا
٤٣٣
عنك تكبراً وإفراطاً في البغضاء ﴿يحرّفون الكلم﴾ أي : الذي في التوراة كآية الرجم ﴿من بعد مواضعه﴾ أي : التي وضعها الله عليها أي : يبدلونه ﴿يقولون﴾ أي : الذين يحرّفونه لمن يرسلونهم للنبيّ ﷺ ﴿إن أوتيتم هذا﴾ أي : المحرّف أي : أفتاكم به محمد ﷺ ﴿فخذوه﴾ أي : فاقبلوه منه واعلموا أنه الحق واعملوا به ﴿وإن لم تؤتوه﴾ أي : بأنّ أفتاكم بخلافه ﴿فاحذروا﴾ أن تقبلوه منه فإنه الباطل والضلال.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣٢