﴿والذين كذبوا بآياتنا﴾ أي : القرآن ﴿صم﴾ عن سماعها سماع قبول ﴿وبكم﴾ عن النطق بالحق ﴿في الظلمات﴾ أي : في ضلالات الكفر ﴿من يشأ الله﴾ إضلاله ﴿يضلله ومن يشأ﴾ هدايته ﴿يجعله على صراط مستقيم﴾ هو دين الإسلام وهو دليل واضح لأهل السنة على المعتزلة في قولهم : إنهما من العبد كما مرّ.
﴿قل﴾ يا محمد لأهل مكة، وقوله تعالى :﴿أرأيتكم﴾ استفهام تعجيب والكاف حرف خطاب أي : أخبروني ﴿إن أتاكم عذاب الله﴾ أي : في الدنيا كما أتى من قبلكم من الغرق أو الخسف والمسخ والصواعق ونحو ذلك من العذاب ﴿أو أتتكم الساعة﴾ أي : القيامة المشتملة على العذاب ﴿أغير الله تدعون﴾ في كشف العذاب عنكم ﴿إن كنتم صادقين﴾ أنّ الأصنام آلهة وجواب الاستفهام محذوف أي : فادعوه وهو تبكيت لهم.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٨٤
بل إياه تدعون﴾ أي : تخصونه بالدعاء كما حكى الله تعالى ذلك عنهم في موضع كما في قوله تعالى :﴿وإذا مس الإنسان الضرّ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً﴾ (يونس، ١٢) الآية ﴿فيكشف ما تدعون إليه﴾ أي : ما تدعون إلى كشفه ﴿إن شاء﴾ كشفه في الدنيا تفضلاً عليكم كما هو عادته معكم في وقت شدائدكم ولكنه لا يشاء كشفه في الآخرة لأنه لا يبدّل القول لديه وإن كان له أن يفعل ما يشاء ﴿وتنسون﴾ أي : تتركون في تلك الأوقات دائماً ﴿ما تشركون﴾ معه من الأصنام فلا تدعونها لعلمكم أنها لا تضرّ ولا تنفع.
﴿ولقد أرسلنا﴾ رسلاً ﴿إلى أمم من قبلك﴾ أي : قبلك ومن مزيدة فكذبوهم ﴿فأخذناهم بالبأساء﴾ أي : شدّة الفقر ﴿والضرّاء﴾ أي : الأمراض والأوجاع وهما صفتا تأنيث لا مذكر لهم ﴿لعلهم يتضرّعون﴾ أي : يتذللون ويتوبون عن ذنوبهم فيؤمنون.
﴿فلولا﴾ أي : فهلا ﴿إذ جاءهم بأسنا﴾ أي : عذابنا ﴿تضرعوا﴾ أي : لم يفعلوا ذلك مع قيام المقتضى له ﴿ولكن قست قلوبهم﴾ فلم تلن للإيمان ﴿وزين لهم الشيطان﴾ أي : بما أدخل عليهم من باب الشهوات ﴿ما كانوا يعملون﴾ من المعاصي فأصروا عليها.
﴿فلما نسوا﴾ أي : تركوا ﴿ما ذكروا﴾ أي : وعظوا وخوّفوا ﴿به﴾ وإنما كان النسيان بمعنى الترك لأنّ التارك للشيء معرضاً عنه كأنه قد صيره بمنزلة ما قد نسي ﴿فتحنا عليهم أبواب كل شيء﴾ أي : من الخيرات والأرزاق والملاذ التي كانت مغلقة عنهم فنقلناهم من الشدّة إلى الرخاء استدراجاً لهم، وقرأ ابن عامر بتشديد التاء والباقون بالتخفيف ﴿حتى إذا فرحوا بما أوتوا﴾ أي : فرح بطر ﴿أخذناهم﴾ بالعذاب ﴿بغتة﴾ أي : فجأة ﴿فإذا هم مبلسون﴾ أي : متحسرون آيسون من كل خير.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٨٤
أي : آخرهم بأن استؤصلوا ﴿والحمد لله رب العالمين﴾
٤٨٦
أي : على نصر الرسل وإهلاك الكافرين والعصاة فإنّ إهلاكهم من حيث إنه تخليص لأهل الأرض من شؤم عقائدهم وأعمالهم نعمة جليلة يحق أن يحمد عليها.
﴿قل﴾ أي : لأهل مكة ﴿أرأيتم﴾ أي : أخبروني ﴿إن أخذ الله سمعكم﴾ أي : أصمكم ﴿وأبصاركم﴾ أي : أعماكم ﴿وختم﴾ أي : طبع ﴿على قلوبكم﴾ أي : بأن يغطي عليها ما يزول به عقلكم وفهمكم فلا تعرفون شيئاً ﴿من إله غير الله يأتيكم به﴾ أي : بذلك أو بما أخذ منكم وختم عليه لأنّ الضمير في به يعود على معنى الفعل أو بأحد هذه المذكورات ويجوز أن يعود إلى السمع الذي ذكره أوّلاً ويندرج غيره تحته كقوله تعالى :﴿وا ورسوله أحق أن يرضوه﴾ (التوبة، ٦٢) فالهاء راجعة إلى الله تعالى ورضا رسول الله ﷺ يندرج في رضا الله تعالى ﴿انظر﴾ الخطاب للنبيّ ﷺ ويدخل فيه غيره أي : انظر يا محمد ﴿كيف نصرّف﴾ أي : نبين لهم الآيات أي : العلامات الدالة على التوحيد والنبوّة ونكررها تارة من جهة المقدّمات العقلية وتارة من جهة الترغيب والترهيب وتارة بالتنبيه والتذكير بأحوال المتقدّمين ﴿ثم هم يصدفون﴾ أي : يعرضون عنها فلا يؤمنون.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٨٦
قل﴾ لهم ﴿أرأيتكم﴾ أي : أخبروني ﴿إن أتاكم عذاب الله بغتة﴾ أي : فجأة ﴿أو جهرة﴾ أي : معاينة ترونه عند نزوله، وقال ابن عباس والحسن : ليلاً ونهاراً ﴿هل يهلك﴾ أي : ما يهلك به هلاك سخط وتعذيب ﴿إلا القوم الظالمون﴾ أي : المشركون لأنهم ظلموا أنفسهم بالشرك.
﴿وما نرسل المرسلين إلا مبشرين﴾ من آمن بالجنة ﴿ومنذرين﴾ من كفر بالنار أي : ليس في إرسالهم أن يأتوا الناس بما يقترحون عليهم من الآيات إنما أرسلوا بالبشارة والنذارة ﴿فمن آمن﴾ أي : بهم ﴿وأصلح﴾ أي : عمله ﴿فلا خوف عليهم﴾ أي : من العذاب ﴿ولا هم يحزنون﴾ في الآخرة بفوات الثواب.
﴿والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب﴾ أي : يصيبهم ﴿بما كانوا يفسقون﴾ أي : بسبب خروجهم عن الطاعة.