ولهم يوماً قال :"لا أفعل" قالوا : فاجعل واحداً وأقبل علينا وولهم ظهرك فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال مجاهد : قالت قريش : لولا بلال وابن أم معبد لبايعنا محمداً فأنزل الله تعالى هذه الآية ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي﴾ يعني صلاة الصبح وصلاة العصر".
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٨٦
ويروى عنه أنّ المراد منه الصلوات الخمس وذلك أنّ ناساً من الفقراء كانوا مع النبيّ ﷺ فقال ناس من الأشراف : إذا صلينا فأخر هؤلاء فليصلوا خلفنا فنزلت هذه الآية وقوله تعالى :﴿يريدون وجهه﴾ حال من يدعون أي : يدعون ربهم مخلصين فيه قيد الدعاء بالإخلاص تنبيهاً على أنه ملاك الأمر ﴿ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء﴾ أي : ليس عليك حساب في اختبار بواطنهم وإخلاصهم لما اتسموا بسيرة المتقين وإن كان لهم باطن غير مرضيّ كما ذكره المشركون وطعنوا في دينهم فحسابهم عليهم لا يتعدّاهم إليك كما أنّ حسابك لا يتعدّاك إليهم كقوله تعالى :﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ (الأنعام، ١٦٤).
فإن قيل : هلا اكتفى بقوله :﴿ما عليك من حسابهم من شيء﴾ عن ﴿وما من حسابك عليهم من شيء﴾ ؟
أجيب : بأن الجملتين جعلتا بمنزلة جملة واحدة وقصد بهما مؤدّى واحد وهو المعنى في قوله تعالى :﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ (الأنعاك، ١٦٤) ولا يفيد هذا المعنى إلا الجملتان جميعاً.
كأنه قيل : لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه، وقيل : الضمير للمشركين والمعنى : لا يؤاخذون بحسابك ولا أنت بحسابهم حتى يهمك إيمانهم بحيث تطرد المؤمنين طمعاً فيه وقوله تعالى :﴿فتطردهم﴾ أي : فتبعدهم جواب النفي وقوله تعالى :﴿فتكون من الظالمين﴾ جواب النهي وهو ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة، واحتج الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بهذه الآية فقالوا : إنّ النبيّ ﷺ لما همّ بطرد الفقراء عن مجلسه لأجل أشراف قريش عاتبه الله تعالى به على ذلك ونهاه عن طردهم وذلك قدح في العصمة وقوله تعالى :﴿فتطردهم فتكون من الظالمين﴾ وأجيب : بأنه ﷺ ما طردهم ولا همّ به لأجل استخفاف بهم وإنما كان هذا الهم لمصلحة وهي التلطف بهؤلاء الأشراف في إدخالهم في الإسلام فكان ترجيح هذا الجانب أولى وهو اجتهاد منه ﷺ فأعلمه الله تعالى أنّ تقريب هؤلاء الفقراء أولى من الهمّ بطردهم فقرّبهم منه وأدناهم والظلم في اللغة وضع الشيء في غير محله أي : فلا تهم بطردهم عنك فتضع الشيء في غير معوضه فهو من باب ترك الأفضل والأولى لا من باب ترك الواجبات.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٨٦
٤٨٩
﴿وكذلك فتنا﴾ أي : ابتلينا ﴿بعضهم ببعض﴾ أي : الشريف بالوضيع والغني بالفقير بأن قدّمناه بالسبق للإيمان ﴿ليقولوا﴾ أي : الشرفاء والأغنياء ﴿أهؤلاء﴾ الفقراء ﴿منّ الله عليهم من بيننا﴾ بالهداية أي : لو كان ما هم عليه هدى ما سبقونا إليه ونحن الأكابر والرؤساء وهم المساكين والضعفاء قال الله تعالى :﴿أليس الله بأعلم بالشاكرين﴾ أي : بمن يقع منهم الإيمان والشكر فيوفقه وبمن لا يقع منه فيخذله.
﴿وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا﴾ وقوله تعالى :﴿فقل﴾ لهم ﴿سلام عليكم﴾ إمّا أن يكون أمراً بتبليغ سلام الله تعالى إليهم وإمّا أن يكون أمراً بأن يبدأهم بالسلام إكراماً لهم وتطييباً لقلوبهم ﴿كتب﴾ أي : قضى ﴿ربكم على نفسه الرحمة﴾.
روي أنها نزلت في الذين نهى رسول الله ﷺ عن طردهم فوصفهم الله تعالى بالإيمان بالقرآن واتباع الحجج بعدما وصفهم بالمواظبة على العبادة وأمره بأن يبدأ بالتسليم أو يبلغ سلام الله تعالى إليهم ويبشرهم بسعة رحمته وفضله بعد النهي عن طردهم إيذاناً بأنهم الجامعون لفضيلتي العلم والعمل، ومن كان كذلك ينبغي أن يقرّب ولا يطرد ويعز ولا يذل ويبشر من الله تعالى بالسلامة في الدنيا والرحمة في الآخرة، وقال عطاء : نزلت في الخلفاء الأربع وجماعة من الصحابة، وقيل : الآية على إطلاقها في كل مؤمن، وقيل : لما جاء عمر بن الخطاب واعتذر من مقالته التي تقدّمت وقال : ما أردت إلا الخير فنزلت، وقيل : إنّ قوماً جاؤوا إلى النبيّ ﷺ فقالوا : إنا أصبنا ذنوباً عظاماً فلم يردّ عليهم شيئاً فانصرفوا فنزلت ﴿إنه من عمل منكم سوأ﴾ أيّ سوء كان ملتبساً ﴿بجهالة﴾ أي : عمله وهو جاهل وفيه معنيان : أحدهما : إنه فاعل فعل الجهلة لأنّ من عمل ما يؤدّي إلى الضرر في العاقبة وهو عالم بذلك أو ظان فهو من أهل السفه والجهل لأنّ من أهل الحكمة والتدبير ومنه قول الشاعر :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٨٩
على أنها قالت عشية زرتها ** جهلت على عمد ولم تك جاهلاً*
٤٩٠