وهذه الزيادة مفسرة بالنظر إلى الله تعالى يوم القيامة ومن السنة ما روي عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه قال : كنا عند رسول الله ﷺ فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال : إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" ثم قرأ :﴿وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها﴾ (طه، ١٣)
ومنها أنّ ناساً قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟
فقال لهم رسول الله ﷺ "هل تضامون في القمر ليلة البدر ـ أي : هل تشكّون ؟
" قالوا : لا، قال رسول الله ﷺ "فإنكم ترونه كذلك" وعن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أكلنا يرى ربه
٥١٠
مخلياً به يوم القيامة ؟
قال :"نعم" قلت : وما آية ذلك من خلقه ؟
قال :"يا أبا رزين أليس كلكم يرى القمر ليلة البدر مخلياً به ؟
" قلت : بلى، قال :"فالله أعظم إنما هو خلق من خلق الله ـ أي : القمر ـ فالله أعظم وأجل" واحتج أهل السنة أيضاً على جواز رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة بقول كليم الله موسى عليه السلام :﴿رب أرني أنظر إليك﴾ (الأعراف، ١٤٣)
إذ لا يسأل نبيّ ما لا يجوز أو يمتنع وقد علق الله تعالى الرؤية على استقرار الجبل بقوله تعالى :﴿فإن استقرّ مكانه فسوف تراني﴾ (الأعراف، ١٤٣)
واستقرار الجبل جائز والمعلق على الجائز جائز وأمّا قول المتمسكين بظاهر الآية وإنّ الإدراك بمعنى الرؤية فممنوع لأنّ الإدراك هو الوقوف على كنه الشيء والإحاطة به والرؤية المعاينة وقد تكون المعاينة بلا إدراك قال الله تعالى في قصة موسى عليه السلام :﴿قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا﴾ (الشعراء، ٦١)
وكان قوم فرعون قد رأوا قوم موسى ولم يدركوهم فنفى موسى عليه السلام الإدراك مع ثبوت الرؤية فالله تعالى يصح أن يرى من غير إدراك ولا إحاطة كما يعرف في الدنيا ولا يحاط به قال تعالى :﴿ولا يحيطون به علماً﴾ فنفي الإحاطة مع ثبوت العلم، قال سعيد بن المسيب : لا تحيط به الأبصار وقال عطاء : كلت أبصار، المخلوقين عن الإحاطة به، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومقاتل : لا تدركه الأبصار في الدنيا وهو يرى في الآخرة، وظاهر هذا التسوية بين الإدراك والرؤية ويدل على هذا التخصيص قوله تعالى :﴿وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة﴾ (القيامة، ٢٢، ٢٣)
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥١٠
فقوله : ناظرة مقيد بيوم القيامة ويكون هذا جمعاً بين الآيتين ﴿وهو يدرك الأبصار﴾ أي : يراها أو يحيط بها علماً فلا يخفى عليه شيء ولا يفوته شيء ﴿وهو اللطيف الخبير﴾ قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : اللطيف بأوليائه الخبير بهم،
وقال الزهري : اللطيف الرفيق بعباده، وقيل : اللطيف الموصل الشيء بالرفق واللين، وقيل : اللطيف الذي ينسي العباد ذنوبهم لئلا يخجلوا.
﴿قد جاءكم بصائر﴾ جمع بصيرة أي : حجج ﴿من ربكم﴾ تبصرون بها الهدى من الضلالة والحق من الباطل ﴿فمن أبصر﴾ أي : عمل بالأدلة ﴿فلنفسه﴾ أي : خاصة إبصاره لأنه خلصها من الضلال إلى الهدى ﴿ومن عمي﴾ أي : لم يهد بالأدلة ﴿فعليها﴾ أي : خاصة عماه لأنه يضل فلا يضر إلا نفسه ﴿وما أنا عليكم بحفيظ﴾ أي : برقيب لأعمالكم وإنما أنا منذر والله تعالى هو الرقيب عليكم يحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها.
﴿وكذلك﴾ أي : كما بينا ما ذكر ﴿نصرّف﴾ أي : نبيّن ﴿الآيات﴾ من حال إلى حال في المعاني المتنوّعة سالكين من وجوه البراهين بما يفوت القوى ويعجز القدر ليعتبروا ﴿وليقولوا﴾ اعتذاراً عند ظهور عجزهم ﴿دارست﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمرو بألف بين الدال والراء أي : ذاكرت أهل الكتاب، والباقون بغير ألف أي : درست كتب الماضين وجئت بهذا منها، وقرأ ابن عامر بفتح السين وسكون التاء من الدروس أي : هذه الآيات التي تتلوها علينا قديمة قد درست وانمحت كقولهم : أساطير الأوّلين، وقيل : اللام فيه لام العاقبة أي : عاقبة أمرهم أن يقولوا : دارست أي : قرأت على غيرك، وقيل : قرأت كتب أهل الكتاب كقوله تعالى :﴿فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحزناً﴾ (القصص، ٨)
﴿ولنبينه﴾ أي : الآيات وذكر الضمير لأنها في معنى القرآن كأنه قيل : وكذلك نصرّف القرآن أو القرآن وإن لم يجر له ذكر لكونه معلوماً أو إلى التبيين الذي هو
٥١١
مصدر الفعل كقولهم : ضربته زيداً ﴿لقوم يعلمون﴾ فإنهم المنتفعون به.
وقوله تعالى :