﴿من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها﴾ أي : عشر حسنات أمثالها فضلاً من الله تعالى ﴿ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها﴾ أي : جزاءها قضية للعدل ﴿وهم لا يظلمون﴾ أي : بنقص الثواب وزيادة العقاب، وما ذكر في أضعاف الحسنات هو أقل ما عد من الأضعاف فقد قال ﷺ "إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها حتى يلقى الله عز وجل" وقال ﷺ "يقول الله عز وجل : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد ومن جاء بالسيئة فله سيئة مثلها وأغفر ومن تقرّب مني شبراً تقرّبت منه ذراعاً ومن لقيني بقراب أهل الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئاً لقيته بمثلها مغفرة" وقال ﷺ "يقول الله تبارك وتعالى : إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة وإن عملها فاكتبوها بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف" وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما : الآية في غير الصدقات من الحسنات، فأمّا الصدقات فإنها تضاعف سبعمائة ضعف.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٣٠
قل﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك ﴿إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم﴾ بالوحي والإرشاد إلى ما نصب من الحجج، وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بالسكون، وقوله
٥٣٢
تعالى :﴿ديناً﴾ بدل من محل إلى صراط مستقيم، والمعنى : وهداني صراطاً كقوله تعالى :﴿ويهديكم صراطاً مستقيماً﴾ (الفتح، ٢٠)
﴿قيماً﴾ أي : مستقيماً، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح القاف وكسر الياء مشدّدة والباقون بكسر القاف وفتح الباء مخففة على أنه مصدر نعت به وكان قياسه قوماً فاعل لإعلال فعله كالقيام، وقوله تعالى :﴿ملة إبراهيم﴾ عطف بيان لديناً إذ الملة بالكسر لدين وإن فرق بينهما بأن الملة لا تضاف إلا إلى النبيّ الذي تستند إليه، والدين لا تختص إضافته بذلك، وقوله تعالى :﴿حنيفاً﴾ حال من إبراهيم أي : مائلاً من الضلالة إلى الاستقامة والعرب تسمي كل مرجح أو اختتن حنيفاً تنبيهاً على أنه دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقوله تعالى :﴿وما كان﴾ إبراهيم ﷺ ﴿من المشركين﴾ ردّ على كفار قريش لأنهم يزعمون أنهم على دين إبراهيم فأخبر الله تعالى أنّ إبراهيم لم يكن من المشركين.
﴿قل﴾ يا محمد ﴿إنّ صلاتي ونسكي﴾ أي : عبادتي من حج وغيره ﴿ومحياي ومماتي﴾ أي : وما أنا عليه في حياتي وأموت عليه من الإيمان والطاعة أو طاعات الحياة والخيرات المضافة إلى الممات كالوصية والتدبير أو الحياة والممات أنفسهما، وقرأ نافع : ومحياي بسكون الياء بخلاف عن ورش إجراء للوصل مجرى الوقف والباقون بالفتح، وفتح الياء من مماتي نافع وسكنها الباقون ﴿رب العالمين﴾.
﴿لا شريك له﴾ في ذلك ﴿وبذلك﴾ أي : وبهذا التوحيد ﴿أمرت وأنا أوّل المسلمين﴾ أي : من هذه الأمّة لأنّ إسلام كل نبيّ مقدّم على إسلام أمّته، وقرأ نافع بمد أنا قبل الهمزة المفتوحة وقالون بالمدّ والقصر لأنها عنده مدّ منفصل والباقون لا مدّ أصلاً.
﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء الكفار من قومك ﴿أغير الله أبغي﴾ أي : أطلب ﴿رباً﴾ أي : إلهاً فأشركه في عبادتي وهذا جواب عن دعائهم له إلى عبادة آلهتهم والهمزة للإنكار أي : منكر أن أبغي رباً غيره ﴿وهو رب كل شيء﴾ فكل من دونه مربوب ليس في الوجود من له الربوبية غيره كما قال تعالى :﴿قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون﴾ (الزمر، ٦٤)
﴿ولا تكسب كل نفس﴾ ذنباً ﴿إلا عليها﴾ أي : إثم الجاني عليه لا على غيره وقوله تعالى :﴿ولا تزر﴾ أي : ولا تحمل نفس ﴿وازرة﴾ أي : آثمة ﴿وزر﴾ نفس ﴿أخرى﴾ جواب عن قولهم : اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ﴿ثم إلى ربكم مرجعكم﴾ يوم القيامة ﴿فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون﴾ في الدنيا فيتبين الرشد من الغي والمحق من المبطل.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٣٠
وهو الذي جعلكم خلائف الأرض﴾ جمع خليفة لأنّ محمداً ﷺ خاتم النبيين فخلفت أمّته سائر الأمم أو يخلف بعضهم بعضاً فيها أو هم خلفاء الله تعالى في أرضه يملكونها ويتصرفون فيها ﴿ورفع بعضكم فوق بعض درجات﴾ أي : في الشرف والرزق ﴿ليبلوكم﴾ أي : ليختبركم ﴿في ما آتاكم﴾ أي : أعطاكم ليظهر المطيع منكم والعاصي.
فائدة : في تكتب مقطوعة عن ما ﴿إنّ ربك سريع العقاب﴾ لمن عصاه لأنّ ما هو آت قريب أو لأنه يسرع إذا أراده ﴿وإنه لغفور﴾ للمؤمنين ﴿رحيم﴾ بهم وصف الله تعالى العقاب ولم يضفه إلى نفسه ووصف تعالى ذاته بالمغفرة وضم إليه الوصف بالرحمة وأتى ببناء المبالغة واللام المؤكدة تنبيهاً على إنه تعالى غفور بالذات معاقب بالعرض كثير الرحمة مبالغ فيها قليل العقوبة مسامح فيها فنسأل الله العظيم أن يسامحنا وأن يغفر زلاتنا ولا يؤاخذنا بسوء أفعالنا وأن يفعل ذلك بوالدينا وأقاربنا وأحبابنا وأصحابنا وجميع المسلمين ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.
٥٣٣
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٣٠