جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٤٢
ولكل أمّة أجل} أي : وقت معلوم وفي ذلك وعيد لأهل مكة بالعذاب النازل في أجل
٥٤٥
معلوم عند الله كما نزل بالأمم الماضية ﴿فإذا جاء أجلهم﴾ أي : حان وقتهم ﴿لا يستأخرون ساعة﴾ عنه ﴿ولا يستقدمون﴾ ساعة عليه وإنما ذكرت الساعة وإن كان دونها كذلك لأنها أقل اسم للأوقات في العرف وذلك حين سألوا نزول العذاب فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقرأ قالون والبزي وأبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى مع المدّ والقصر، وورش وقنبل سهلاً الثانية وأبدلاها حرف مد والباقون بالتحقيق فيهما.
﴿يا بني آدم إمّا﴾ فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة ﴿يأتينكم رسل منكم﴾ أي : من نوعكم من عند ربكم ﴿يقصون عليكم آياتي﴾ أي : يقرؤن عليكم كتابي وأدلة أحكامي وشرائعي التي شرعت لعبادي وجواب الشرط قوله تعالى :﴿فمن اتقى﴾ الشرك ومخالفة رسلي ﴿وأصلح﴾ عمله الذي أمرته به رسلي فعمل بطاعتي وتجنب معصيتي وما نهيت عنه ﴿فلا خوف عليهم﴾ حين يخاف غيرهم يوم القيامة من العذاب ﴿ولا هم يحزنون﴾ أي : يتجدّد لهم في وقت ما حزن على شيء فاتهم لأنّ الله يعطيهم ما تقر به أعينهم ﴿والذين كذبوا بآياتنا﴾ أي : جحدوها وكذبوا رسلنا ﴿واستكبروا﴾ أي : تكبروا ﴿عنها﴾ أي : عن الإيمان بها لأنّ كل مكذب وكافر متكبر قال تعالى :﴿إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون﴾ (الصافات، ٣٥)
﴿أولئك﴾ هؤلاء البعداء البغضاء ﴿أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ أي : لا يخرجون منها أبداً وإدخال الفاء في خبر المبتدأ الأوّل دون خبر الثاني للمبالغة في الوعد والمسامحة في الوعيد.
﴿فمن﴾ أي : لا أحد ﴿أظلم ممن افترى على الله كذباً﴾ أي : بنسبة الشريك والولد إليه أو قال عليه ما لم يقله ﴿أو كذب بآياته﴾ أي : القرآن ﴿أولئك ينالهم﴾ أي : يصيبهم ﴿نصيبهم﴾ أي : حظهم ﴿من الكتاب﴾ أي : مما كتب لهم في اللوح المحفوظ من الرزق والأجل وغير ذلك ﴿حتى إذا جاءتهم﴾ أي : هؤلاء الذين يفترون على الله الكذب ﴿رسلنا﴾ أي : ملك الموت وأعوانه ﴿يتوفونهم﴾ بقبض أرواحهم عند استكمال أعمارهم وأرزاقهم وقوله تعالى :﴿قالوا﴾ جواب إذا أي : قال الرسل لهم تبكيتاً وتوبيخاً وتقريعاً ﴿أين ما كنتم تدعون﴾ أي : تعبدون ﴿من دون الله﴾ أي : غيره ادعوهم ليدفعوا عنكم ما نزل بكم، وقيل : إنّ هذا يكون في الآخرة أي : إذا جاءتهم ملائكة العذاب يتوفونهم أي : يستوفون عددهم عند حشرهم إلى النار ﴿قالوا﴾ أي : الكفار مجيبين للرسل ﴿ضلوا﴾ أي : غابوا ﴿عنا﴾ وتركونا عند حاجتنا إليهم فلم ينفعونا ﴿وشهدوا على أنفسهم﴾ أي : بالغوا في الاعتراف عند الموت أو عند معاينة العذاب ﴿أنهم كانوا كافرين﴾ أي : جاحدين وحدانية الله تعالى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٤٢
٥٤٦
قال الله تعالى لهم يوم القيامة أو أحد من الملائكة ﴿ادخلوا في أمم﴾ أي : في جملة جماعات وفرق أمّ بعضها بعضاً ﴿قد خلت﴾ أي : مضت وسلفت ﴿من قبلكم من الجنّ والإنس﴾ أي : كفار الأمم الماضية من الفريقين، وقوله تعالى :﴿في النار﴾ متعلق بادخلوا ﴿كلما دخلت أمّة﴾ أي : جماعة النار ﴿لعنت أختها﴾ أي : التي ضلت بالاقتداء بها ﴿حتى إذا ادّاركوا﴾ أي : تلاحقوا واستقرّوا ﴿فيها﴾ أي : النار ﴿جميعاً قالت أخراهم﴾ أي : منزلة أو دخولاً وهم الأتباع ﴿لأولاهم﴾ أي : لأجلهم وهم المتبعون إذ الخطاب مع الله تعالى لا معهم ﴿ربنا هؤلاء﴾ أي : الأوّلون ﴿أضلونا﴾ أي : لأنهم أوّل من سنّ الضلال. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بإبدال الهمزة الثانية ياء في الوصل، والباقون بالتحقيق ﴿فآتهم﴾ أي : أذقهم بسبب ذلك ﴿عذاباً ضعفاً﴾ أي : يكون بقدر عذاب غيرهم مرّتين لأنهم ضلوا وأضلوا ومن سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ومنه لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أوّل من سنّ القتل، ثم أكدوا شدّة العذاب بقولهم :﴿من النار قال﴾ الله تعالى :﴿لكل﴾ أي : منكم ومنهم ﴿ضعف﴾ أي : عذاب مضعف أمّا القادة فبكفرهم وتضليلهم وأما الأتباع فبكفرهم وتقليدهم لهم ﴿ولكن لا تعلمون﴾ أي : ما أعدّ الله تعالى لكل فريق من العذاب. وقرأ شعبة : يعلمون بالياء على الغيبة، والباقون بالتاء على الخطاب.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٤٦
وقالت أولاهم﴾
أي : في الكفر وهم القادة ﴿لأخراهم﴾ أي : الأتباع ﴿فما كان لكم علينا من فضل﴾ أي : لأنكم لم تكفروا بسببنا فقد جاءتكم الرسل والنذر فما رجعتم عن ضلالتكم وكفركم فنحن وأنتم سواء قال الله تعالى لهم :﴿فذوقوا العذاب بما﴾ أي : بسبب ما ﴿كنتم تكسبون﴾ أي : من الكفر والأعمال الخبيثة.


الصفحة التالية
Icon