أي : فائضة عيناها. ﴿قالوا﴾ أي : أهل الجنة مجيبين لهم ﴿إنّ الله حرّمهما﴾ أي : منعهما ﴿على الكافرين﴾ أي : منعهم طعام الجنة وشرابها كما يمنع المكلف ما يحرم عليه ويحظر كقوله :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٤٩
حرام على عينيّ أن تطعم الكرى*
وقيل : لما كانت شهواتهم في الدنيا في لذة الأكل والشرب وعذبهم الله في الآخرة بشدّة الجوع والعطش فسألوا ما كانوا يعتادونه في الدنيا من طلب الأكل والشرب فأجيبوا بأنّ الله تعالى حرّم طعام الجنة وشرابها على الكافرين ثم وصف الله تعالى الكافرين بقوله :
﴿الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً﴾ وهو ما زيّن لهم الشيطان من تحريم البحيرة والتصدية حول البيت وسائر الخصال الذميمة التي كانوا يفعلونها في الجاهلية، وقيل : كانوا إذا دعوا إلى الإيمان سخروا ممن دعاهم وهزؤوا به، واللهو هو صرف الهمّ بما لا يحسن أن يصرف له واللعب طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب به ﴿وغرّتهم الحياة الدنيا﴾ أي : وخدعهم عاجل ما هم فيه من رغد العيش والدعة وشغلهم ما هم فيه من ذلك عن الإيمان بالله ورسوله ومن الأخذ بنصيبهم في الآخرة حتى أتتهم المنية وهم على ذلك والغرّة غفلة في اليقظة وهو طمع الإنسان في طول العمر وحسن العيش وكثرة المال، وقيل : الجاه ونيل الشهوات فإذا حصل له ذلك صار محجوباً عن الدين وطلب الخلاص لأنه غريق في الدنيا بلذاته وما هو فيه من ذلك ولما وصفهم الله تعالى بهذه الصفات الذميمة قال :﴿فاليوم﴾ أي : يوم القيامة ﴿ننساهم﴾ أي : نتركهم في النار ونعرض عنهم فلا نجيب دعاءهم ولا نرحم ضعفهم ﴿كما نسوا لقاء يومهم هذا﴾ أي : كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا كفعل الناسين فلم يخطر ببالهم ولم يهتموا له وأعرضوا عن الإيمان فقابل الله تعالى جزاء نسيانهم بالنسيان على المجاز لأنّ الله تعالى لا ينسى شيئاً فهو كقوله تعالى :﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها﴾ (الشورى، ٤٠)
﴿وما كانوا بآياتنا يجحدون﴾ أي : وما كانوا منكرين أنها من عند الله تعالى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٤٩
٥٥٢
﴿ولقد جئناهم﴾ أي : هؤلاء الكفار ﴿بكتاب﴾ أي : قرآن أنزلناه عليك يا محمد ﴿فصلناه﴾ أي : بينا معانيه من العقائد والأحكام والمواعظ مفصلة ﴿على علم﴾ أي : عالمين وجه تفصيله، وقوله تعالى :﴿هدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾ أي : به حال من منصوب فصلناه كما أنّ على علم حال من مرفوعه.
﴿هل ينظرون﴾ أي : ما ينظرون ﴿إلا تأويله﴾ أي : إلا عاقبة أمره وما يؤول إليه من تبين صدقه وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد ﴿يوم يأتي تأويله﴾ أي : يوم القيامة لأنه يوم الجزاء ﴿يقول الذين نسوه من قبل﴾ أي : تركوه ترك الناسي ﴿قد جاءت رسل ربنا بالحق﴾ أي : قد تبين لهم واعترفوا يوم القيامة بأنّ ما جاءت به الرسل من الإيمان والحشر والنشر والبعث والثواب والعقاب حق حين لا ينفعهم ذلك الاعتراف.
ولما رأوا أنفسهم في العذاب قالوا :﴿فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا﴾ اليوم ﴿أو نردّ﴾ أي : أو هل نردّ إلى الدنيا وقولهم :﴿فنعمل غير الذي كنا نعمل﴾ فيها فنبدل الكفر بالإيمان والتوحيد والمعاصي بالطاعة والإنابة جواب الاستفهام الثاني ﴿قد خسروا أنفسهم﴾ أي : إذ صاروا إلى الهلاك لأنهم كانوا في الدنيا أوّل مرّة فلم يعملوا بطاعة الله ولو ردّوا إلى الدنيا لعادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والعصيان لسابق علم الله فيهم ﴿وضل﴾ أي : ذهب ﴿عنهم ما كانوا يفترون﴾ أي : من دعوى الشريك فلم ينفعهم.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٥٢
إنّ ربكم﴾ أي : سيدكم ومولاكم ومصلح أموركم وموصل الخيرات إليكم ودافع المكاره عنكم هو ﴿الله الذي خلق السموات والأرض﴾ أي : ابتدعهما وأنشأ خلقهما على غير مثال سبق ﴿في ستة أيام﴾ أي : من أيام الدنيا، وقيل : من أيام الآخرة كل يوم ألف سنة.
فإن قيل : اليوم من أيام الدنيا عبارة عن مقدار من الزمان وذلك المقدار من طلوع الشمس إلى غروبها ولم يكن إذ ذاك شمس ولا قمر ولا سماء. أجيب : بأنّ معنى ذلك في مقدار ستة أيام فهو كقوله تعالى :﴿لهم رزقهم فيها بكرة وعشياً﴾ (مريم، ٦٢)
أي : على مقادير البكر والعشيّ في الدنيا لأن الجنة لا ليل فيها ولا نهار قال سعيد بن جبير : كان الله عز وجل قادراً على خلق السموات والأرض في لمحة ولحظة فخلقهنّ في ستة أيام تعليماً لخلقه التثبت والتأني في الأمور، وقد جاء في الحديث :"التأني من الله والعجلة من الشيطان". واختلف العلماء في اليوم الذي ابتدأ الله خلق الأشياء فيه فقيل : هو يوم السبت لخبر مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أخذ رسول الله
٥٥٣