له حين وبخهم على فعلهم القبيح وارتكابهم ما حرّم الله تعالى عليهم من العمل الخبيث ﴿إلا أن قالوا﴾ أي : قال بعضهم لبعض ﴿أخرجوهم من قريتكم﴾ أي : ما جاؤوا بما يكون جواباً عما كلمهم به لوط عليه السلام من إنكار الفاحشة وتعظيم أمرها ولكنهم جاؤوا بشيء آخر لا يتعلق بنصيحته وكلامه من الأمر بإخراجه ومن معه من المؤمنين من قريتهم ضجراً بهم وبما يسمعونه من وعظهم ونصحهم وقولهم :﴿إنهم أناس يتطهرون﴾ أي : يتنزهون عن فعلكم وعن أدبار الرجال سخرية بهم وبتطهيرهم من الفواحش وافتخاراً بما كانوا فيه من القاذورات كما تقول الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم : أبعدوا عنا هذا المتقشف وأريحونا من هذا المتنزه.
﴿فأنجيناه﴾ أي لوطاً ﴿وأهله﴾ أي : من آمن به، وقوله تعالى :﴿إلا امرأته﴾ استثناء من أهله فإنها كانت تسر الكفر موالية لأهل سذوم ﴿كانت من الغابرين﴾ أي : من الذين غبروا أي : بقوا في ديارهم فهلكوا.
وروي أنها التفتت فأصابها حجر فماتت وإنما قال تعالى :﴿من الغابرين﴾ ولم يقل من الغابرات لأنها هلكت مع الرجال فغلب الذكور على الإناث.
﴿وأمطرنا عليهم مطراً﴾ أي : نوعاً من المطر عجيباً وهو مبين بقوله تعالى :﴿وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل﴾ (الحجر، ٧٤)
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٦٦
أي : قد عجنت بالكبريت والنار، يقال : مطرت السماء وأمطرت، وقال أبو عبيدة : يقال في العذاب : أمطر وفي الرحمة مطر، وقيل : خسف بالمقيمين منهم وأمطرت الحجارة على مسافريهم ﴿فانظر﴾ أي : أيها الإنسان ﴿كيف كان عاقبة المجرمين﴾.
روي أنّ تاجراً منهم كان في الحرم فوقف الحجر أربعين يوماً حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فوقع عليه، وقال مجاهد : نزل جبريل عليه السلام وأدخل جناحه تحت مدائن قوم لوط فاقتلعها ورفعها إلى السماء ثم قلبها فجعل أعلاها أسفلها ثم أتبعوا بالحجارة كما قال تعالى :﴿فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل﴾ (الحجر، ٧٤).
﴿وإلى مدين﴾ أي : وأرسلنا إلى ولد مدين بن إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام ﴿أخاهم﴾
٥٦٧
في النسب لا في الدين ﴿شعيباً﴾ بن ميكيل بن يشجر بن مدين وكان يقال له : خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه عليه السلام وكان قومه أهل كفر وبخس للمكيال والميزان ﴿قال﴾ أي : شعيب عليه السلام ﴿يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره قد جاءتكم بينة﴾ أي : معجزة تدلّ على صدق ما جئت به ﴿من ربكم﴾ أوجبت عليكم الإيمان بي والأخذ بما آمركم به.
فإن قيل : ما كانت معجزته إذ لم تذكر له معجزة ؟
أجيب : بأنه قد وقع العلم بأنه كان له معجزة لقوله :﴿قد جاءتكم بينة من ربكم﴾ ولأنه لا بدّ لمدّعي النبوّة من معجزة تشهد له وتصدّقه وإلا لم تصح دعواه وكان متنبئاً لا نبياً غير أنّ معجزته لم تذكر في القرآن كما لم تذكر أكثر معجزات نبينا ﷺ فيه ومن معجزات شعيب عليه السلام الواردة في غير القرآن ما روي من محاربة عصا موسى التنين حين دفع إليه الغنم وولادة الغنم الدرع حين وعده أن يكون له الدرع من أولادها والدرع بوزن الصرد وهي الغنم التي أوائلها سواد وأواخرها بياض ووقوع عصا آدم عليه السلام على يده في المرات السبع وغير ذلك من الآيات لأن هذه كلها كانت قبل أن يستنبأ موسى عليه السلام فكانت معجزة لشعيب وهذا أولى من جعله كرامة لموسى أو إرهاصاً وهو علامة تظهر قبل النبوّة وقيل : أراد بالبينة الموعظة وهي قوله تعالى :﴿فأوفو الكيل والميزان﴾ أي : أتموهما ﴿ولا تبخسوا﴾ أي : تنقصوا ﴿الناس أشياءهم﴾ فتطففوا الكيل والوزن يقال : بخس فلان الكيل والوزن إذا نقصه وطففه.
فإن قيل : هلا قال المكيال والميزان كما في سورة هود ؟
أجيب : بأنه أراد بالكيل آلة الكيل وهو المكيال أو سمى ما يكال به بالكيل، أو أريد وأوفوا كيل المكيال ووزن الميزان وإنما قال ﴿أشياءهم﴾ لأنهم كانوا يبخسون الناس كل شيء في مبايعاتهم أو كانوا مكاسين لا يدعون شيئاً إلا مكسوه كما يفعل أمراء الجور ﴿ولا تفسدوا في الأرض﴾ أي : بالكفر والمعاصي ﴿بعدإصلاحها﴾ أي : بعدما أصلح أمرها وأهلها الأنبياء وأتباعهم بالشرائع ﴿ذلكم﴾ أي : الذي ذكرت لكم وأمرتكم به من الإيمان ووفاء الكيل والميزان وترك المظالم والبخس ﴿خير لكم﴾ أي : مما أنتم عليه من الكفر وظلم الناس ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ أي : مصدّقين بما أقول لكم ومعنى ﴿خير لكم﴾ أي : في الإنسانية وحسن ما يتحدّث به وجمع المال لأنّ الناس ترغب في متاجرتكم إذا عرفوا منكم الأمانة والتسوية.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٦٦


الصفحة التالية
Icon