﴿تلك القرى﴾ أي : القرى التي ذكرنا لك يا محمد أمرها وأمر أهلها وهي قرى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب ﴿نقص عليك﴾ يا محمد ﴿من أنبائها﴾ أي : نخبرك عنها وعن أهلها وما كان من أمرهم وأمر رسلهم الذين أرسلوا إليهم لتعلم أننا ننصر رسلنا والذين آمنوا معهم على أعدائهم من أهل الكفر والعناد وكيف أهلكناهم بكفرهم ومخالفتهم رسلهم وفي ذلك تسلية للنبي ﷺ وتحذير لكفار قريش أن يصيبهم مثل ما أصابهم ﴿ولقد جاءتهم﴾ أي : أهل تلك القرى ﴿رسلهم بالبينات﴾ أي : بالمعجزات الباهرات والبراهين الدالة على صدقهم وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بالإظهار والباقون بالإدغام وأمال حمزة وابن ذكوان الألف وسكن السين أبو عمرو ورفعها الباقون ﴿فما كانوا ليؤمنوا﴾ أي : عند مجيئهم بها ﴿بما كذبوا﴾ أي : كفروا به ﴿من قبل﴾ أي : قبل مجيء الرسل بل استمرّوا على الكفر واللام لتأكيد النفي والدلالة على أنهم ما صلحوا للإيمان لمنافاته لحالتهم في التصميم على الكفر والطبع على قلوبهم ﴿كذلك﴾ أي : كما طبع الله على قلوب كفار الأمم الخالية وأهلكهم يطبع الله على قلوب الكافرين الذين كتب عليهم أنهم لا يؤمنون من قومك.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٧١
وما وجدنا لأكثرهم﴾
أي : لأكثر الناس على الإطلاق أو لأكثر الأمم الخالية والقرون الماضية الذين قصصنا خبرهم عليك، وأكد الاستغراق فقال :﴿من عهد﴾ أي : من وفاء بالعهد الذي عهدناه إليهم وأوصيناهم به يوم أخذ الميثاق، والآية على الأوّل اعتراض وعلى الثاني من تتمة الكلام السابق ﴿وإن﴾ مخففة أي : وإنا ﴿وجدنا﴾ أي : في علمنا في عالم الشهادة ﴿أكثرهم لفاسقين﴾ أي : خارجين عن دائرة العهد طبق ما كنا نعلمه منهم في عالم الغيب وما أبرزناه في عالم الشهادة إلا لنقيم عليهم به الحجة على ما يتعارفونه بينهم في مجاري عاداتهم ومدارك عقولهم.
﴿ثم بعثنا من بعدهم﴾ أي : الرسل المذكورين وهم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم الصلاة والسلام أو الأمم المهلكين ﴿موسى﴾ عليه السلام ﴿بآياتنا﴾ أي : بحجتنا الدالة على صدقه كاليد والعصا ﴿إلى فرعون﴾ هو علم جنس لملوك مصر ككسرى لملوك فارس وقيصر لملوك الروم والنجاشي لملوك الحبشة، وكان اسم فرعون موسى : قابوس، وقيل : الوليد بن مصعب بن الريان وكان ملك القبط ﴿وملائه﴾ أي : عظماء قومه وخصهم بالذكر لأنهم إذا أذعنوا أذعن من دونهم
٥٧٣
فكأنهم المقصودون والإرسال إليهم إرسال إلى الكل ﴿فظلموا﴾ أي : كفروا ﴿بها﴾ أي : بسبب رؤيتها خوفاً على رياستهم ومملكتهم الفانية أن تخرج من أيديهم ﴿فانظر﴾ أيها المخاطب بعين البصيرة ﴿كيف كان عاقبة المفسدين﴾ أي : آخر أمرهم أي : كيف فعلنا بهم وكيف أهلكناهم.
﴿وقال موسى﴾ لما دخل على فرعون ﴿يا فرعون﴾ خاطبه بما يعجبه امتثالاً لأمر الله تعالى له أن يلين في خطابه وذلك لأن فرعون كان لقب مدح لمن ملك مصر ﴿إني رسول﴾ أي : مرسل إليك وإلى قومك ثم بين مرسله بقوله تعالى :﴿من ربّ العالمين﴾ أي : الإله الذي خلق الخلق وهو سيدهم ومالكهم، وقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٧١
﴿حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق﴾ جواب لتكذيب فرعون إياه في دعوى الرسالة وإنما لم يذكره لدلالة قوله تعالى :﴿فظلموا بها﴾ (الأعراف، ١٠٣)
والحق هو الثابت الدائم والحقيق. مبالغة فيه وكأن المعنى : أنا ثابت مستمرّ على أن لا أقول على الله إلا الحق قرأ نافع عليّ بالتشديد فحقيق مبتدأ خبره أن وما بعدها والباقون بالسكون وعلى هذا تكون على بمعنى الباء أو يضمن حقيق معنى حريص وأن لا مقطوعة في الرسم أي : النون من لام الألف ﴿قد جئتكم ببينة﴾ أي : معجزة ﴿من ربكم﴾ على صدقي فيما أدعي من الرسالة وهي العصا واليد البيضاء ثم إن موسى عليه السلام لما فرّغ من تبليغ رسالته رتب على ذلك الحكم قوله :﴿فأرسل معي بني إسرائيل﴾ أي : فخلهم حتى يرجعوا معي إلى الأرض المقدّسة التي هي وطن آبائهم وكان قد استعبدهم واستخدمهم في الأعمال الشاقة من ضرب اللبن ونقل التراب ونحوهما ﴿قال﴾ فرعون لعنه الله مجيباً لموسى عليه السلام ﴿إن كنت جئت بآية﴾ أي : علامة على صحة رسالتك ﴿فأت بها إن كنت من الصادقين﴾ أي : في عداد أهل الصدق العريقين فيه لتصح دعواك عندي وتثبت.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٧٤
فألقى عصاه فإذا هي﴾
أي : العصا ﴿ثعبان مبين﴾ أي : ظاهر أمره لا شك فيه أنه ثعبان، والثعبان الذكر العظيم من الحيات.
فإن قيل : أليس قال الله تعالى في موضع :﴿كأنها جان﴾ (النمل، ١٠)


الصفحة التالية
Icon