قبلها والباقون بتخفيف الحاء مكسورة وألف قبلها ولا ألف بعدها ولم يختلفوا في سورة الشعراء أنه سحار، قيل : الساحر الذي يعلم السحر ولا يعلم والسحار من يديم السحر، روي أنّ فرعون لما رأى من سلطان الله وقدرته في العصا ما رأى قال : إنا لا نقاتل موسى إلا بمن هو أقوى منه فاتخذ غلماناً من بني إسرائيل وبعث بهم إلى مدينة يقال لها : الفرما يعلمونهم السحر فعلموهم سحراً كثيراً وواعد فرعون موسى موعداً ثم بعث السحرة الذين أرسلهم فجاؤوا ومعلمهم معهم فقال فرعون للمعلم : ما صنعت ؟
فقال : علمتهم سحراً لا تطيقه أهل الأرض إلا أن يأتي أمر من السماء فإنهم لا طاقة لهم به ثم بعث فرعون في مملكته فلم يترك في سلطانه ساحر إلا أتي به وهذا يدل على أنّ السحرة كانوا كثيرين في ذلك الزمان وهو يدل على صحة ما يقوله المتكلمون وهو أنه تعالى يجعل معجزة كل نبيّ من جنس ما كان غالباً على أهل ذلك الزمان لما كان السحر غالباً على أهل زمان موسى كانت معجزته شبيهة بالسحر وإن كانت مخالفة للسحر في الحقيقة، ولما كان الطب غالباً على أهل زمان عيسى عليه السلام كانت معجزته من جنس الطب، ولما كانت الفصاحة غالبة على أهل زمان محمد ﷺ كانت معجزته من جنس الفصاحة. واختلفوا في عدد السحرة الذي جمعهم فرعون فمن مقل ومن مكثر وليس في الآية ما يدل على المقدار والكيفية والعدد ولذلك اختلف في عددهم، فقال مقاتل : كانوا اثنين وسبعين اثنان من القبط وهما رؤساء القوم وسبعون من بني إسرائيل، وقال الكلبي : كان الذين يعلمونهم رجلين مجوسيين من أهل نينوى بلدة يونس عليه السلام وكانوا سبعين غير رئيسهم، وقال كعب الأحبار : كانوا اثني عشر ألفاً، وقال محمد بن إسحاق : كانوا خمسة عشر ألفاً، وقال عكرمة : كانوا سبعين ألف، وقال ابن المنكدر : كانوا ثمانين ألفاً، وقال مقاتل : كان رئيس السحرة شمعون، وقال ابن جريج : كان رئيسهم يوحنا.
﴿وجاء السحرة فرعون﴾ أي : بعدما أرسل الشرط في طلبهم ﴿قالوا أئن لنا لأجراً﴾ أي : جعلاً وعطاءً تكرمنا به ﴿إن كنا نحن الغالبين﴾ لموسى.
فإن قيل : هلا قيل : فقالوا بالفاء ؟
أجيب : بأنه على تقدير : سائل سأل ما قالوا إذا جاؤوا ؟
فأجيب : بقوله :﴿أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين﴾ وقرأ ابن كثير وحفص بهمزة مكسورة ونون مشدّدة بعدها على الخبر والباقون بهمزتين وسهل الثانية أبو عمرو وأدخل ألفاً بينهما والباقون بتحقيقهما وأدخل بينهما ألفاً هشام والباقون بغير ألف بينهما.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٧٤
قال﴾
لهم فرعون ﴿نعم﴾ أي : لكم الأجر والعطاء وقرأ الكسائي بكسر العين والباقون بالفتح وقوله تعالى :﴿وإنكم لمن المقرّبين﴾ عطف على محذوف سدّ مسدّ الجواب كأنه قيل : جواباً لقولهم :﴿أئن لنا لأجراً﴾ إنّ لكم أجراً وإنكم لمن المقربين أراد إني لا أقتصر لكم على الثواب بل أزيدكم عليه وتلك الزيادة أني أجعلكم من المقرّبين عندي، قال الكلبيّ : تكونون أوّل من يدخل وآخر من يخرج من عندي الآية تدل على أن كل الخلق كانوا عالمين بأن فرعون كان عبداً ذليلاً مهيناً عاجزاً وإلا لما احتاج إلى الاستعانة بالسحرة في دفع موسى وتدل أيضاً على أنّ كل السحرة ما كانوا قادرين على قلب الأعيان وإلا لما احتاجوا إلى طلب الأجر والمال من فرعون لأنهم لو قدروا على قلب الأعيان لقلبوا التراب ذهباً ولنقلوا ملك فرعون إلى أنفسهم ولجعلوا أنفسهم ملوك العالم ورؤساء الدنيا والمقصود من هذه الآيات تنبيه الإنسان لهذه الدقائق وأن لا يغتر بكلمات أهل الأباطيل والأكاذيب.
﴿قالوا﴾ أي : السحرة ﴿يا موسى إمّا أن تلقى﴾ أي : عصاك ﴿وإمّا أن نكون نحن الملقين﴾
٥٧٦
أي : عصينا وحبالنا فراعوا مع موسى عليه السلام حسن الأدب حيث قدموه على أنفسهم في الإلقاء فعوضهم الله تعالى حيث تأدّبوا مع نبيه عليه السلام أن منّ عليهم بالإيمان والهداية ولما راعوا الأدب أوّلاً وأظهروا ما يدل على رغبتهم.
﴿قال﴾ لهم موسى ﴿اتقوا﴾ أنتم فقدّمهم على نفسه في الإلقاء.


الصفحة التالية
Icon