تماماً للكلام لأنّ الوعد بالشيء يبقى كالشيء المعلق فإذا حصل الموعود به فقد تمّ ذلك الوعد وكمل.
فائدة : رسمت كلمة بالتاء المجرورة ووقف عليها بالهاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ووقف الباقون بالتاء وإنما حصل لهم ما ذكر ﴿بما صبروا﴾ أي : بسبب صبرهم وحسبك بها حاثاً على الصبر ودالاً على أنّ من قابل البلاء بالجزع وكله الله تعالى إليه ومن قابله بالصبر وانتظار النصر ضمن الله تعالى له الفرج ﴿ودمّرنا﴾ أي : أهلكنا، قال الليث : الدمار الهلاك التامّ ﴿ما كان يصنع فرعون وقومه﴾ في أرض مصر من القصور والعمارات ﴿وما كانوا يعرشون﴾ أي : من الجنان وما كانوا يرفعون من البنيان كصرح هامان وقرأ ابن عامر وشعبة بضم الراء والباقون بالجرّ وهذا آخر ما قص الله تعالى من نبأ فرعون والقبط وتكذيبهم بآيات الله وظلمهم ومعاصيهم ثم أتبعه اقتصاص نبأ بني إسرائيل وما أحدثوه بعد إنقاذهم من مملكة فرعون واستعبادهم ومعاينتهم الآيات العظام بقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٨١
أي : قطعناه بهم.
روي أنّ جوازهم كان يوم عاشوراء وأنّ موسى عليه السلام صامه شكراً لله تعالى على إنجائهم وإهلاك عدوّهم ومع النعم التي أنعم الله تعالى بها عليهم لم يراعوها حق رعايتها كما حكى الله تعالى عنهم ذلك بقوله تعالى :﴿فأتوا على قوم﴾ أي : مرّوا عليهم ﴿يعكفون على أصنام لهم﴾ أي : يقيمون على عبادتها، قال ابن جريج : كانت تماثيل بقر وذلك أوّل شأن العجل قيل : كانوا قوماً من لخم وكانوا نزولاً بالرقة، وقيل : كانوا من الكنعانيين الذين أمر موسى بقتالهم. وقرأ حمزة
٥٨٦
والكسائي بكسر الكاف والباقون بالضم ﴿قالوا﴾ أي : قال بعضهم لبعض : لإنه كان مع موسى السبعون المختارون وكان فيهم من يرتفع عن مثل هذا السؤال الباطل وهو قولهم :﴿يا موسى﴾ سموه كما ترى باسمه جفاء وغلظة ﴿اجعل لنا إلهاً﴾ أي : صنماً نعتكف عليه وهذا يدل على غاية جهلهم وذلك أنهم توهموا أنه يجوز عبادة غير الله تعالى بعدما رأوا الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى وكمال قدرته وهي الآيات التي توالت على قوم فرعون حتى أغرقهم الله تعالى في البحر بكفرهم وهو عبادتهم غير الله سبحانه وتعالى فحملهم جهلهم إلى أن قالوا لنبيهم موسى عليه السلام : اجعل لنا إلهاً ﴿كما لهم آلهة﴾ وفي ذلك تسلية للنبيّ ﷺ مما رأى من بني إسرائيل بالمدينة تذكرة لحال الإنسان وإنه ظلوم جهول كنود إلا من عصمه الله ﴿وقليل من عبادي الشكور﴾ (سبأ، ١٣)
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٨٦
قال﴾
موسى ردّاً عليهم ﴿إنكم قوم تجهلون﴾ وصفهم بالجهل المطلق وأكده لبعد ما صدر عنهم بعدما رأوا من الآيات العظمى والمعجزة الكبرى لأنه جهل أعظم مما رأى منهم وأشنع.
﴿إنّ هؤلاء﴾ أي : القوم ﴿متبر﴾ أي : هالك مدمر ﴿ما هم فيه﴾ أي : إنّ الله تعالى يهدم دينهم الذي هم عليه ويحطم أصنامهم ويجعلها رضاضاً ﴿وباطل﴾ أي : مضمحل ﴿ما كانوا يعملون﴾ أي : من عبادتها وإن قصدوا بها التقرب إلى الله تعالى لأن الاشتغال بعبادة غير الله يزيل معرفة الله تعالى من القلب، والمقصود من العبادة رسوخ معرفة الله تعالى في القلب، فكان هذا ضداً للغرض ونقيضاً للمطلوب.
﴿قال﴾ موسى عليه السلام مجيباً لهم على سبيل الإنكار عليهم والتعجب ﴿أغير الله أبغيكم إلهاً﴾ وأصله : أبغي لكم أي : أطلب لكم معبوداً ﴿وهو﴾ أي : والحال أنه هو وحده ﴿فضلكم على العالمين﴾ إذ الإله ليس شيئاً يطلب ويلتمس ويتخذ بل الإله هو الذي يكون قادراً على الإنعام بالإيجاد وإعطاء الحياة وجميع النعم فهذا الموجود هو الإله الذي يجب على الخلق عبادته فكيف يجوز العدول عن عبادته إلى عبادة غيره وفي تفضيلهم على العالمين قولان : الأوّل : أنه تعالى فضلهم على عالمي زمانهم إلا ما يخصه العقل من الأنبياء والملائكة، والثاني : أنه تعالى خصهم بتلك الآيات القاهرة ولم يحصل مثلها لأحد من العالمين وإن كان غيرهم فضلهم بسائر الخصال مثاله : رجل يعلم علماً واحداً وآخر يعلم علوماً كثيرة سوى ذلك العلم فصاحب العلم الواحد مفضل على صاحب العلوم الكثيرة بذلك العلم في الحقيقة.
﴿وإذ أنجيناكم من آل فرعون﴾ أي : واذكروا صنعه معكم في هذا الوقت وقرأ ابن عامر بحذف الياء والنون والباقون بإثباتهما وقوله تعالى :﴿يسومونكم﴾ أي : يكلفونكم ويذيقونكم ﴿سوء العذاب﴾ أي : أشدّه استئناف لبيان ما أنجاهم أو حال من المخاطبين أو من آل فرعون أو منهما وقوله تعالى :﴿يقتلون أبناءكم ويستحيون﴾ أي : يستبقون ﴿نساءكم﴾ بدل من يسومونكم سوء العذاب ﴿وفي ذلكم﴾ أي : الإنجاء أو العذاب ﴿بلاء﴾ أي : نقمة أو محنة ﴿من ربكم عظيم﴾ أي : أفلا تتعظون وتنتهون عما قلتم.


الصفحة التالية
Icon